أنا بؤس القرن ال 21 – Nather Henafe Alali

Article  •  Publié sur Souria Houria le 22 juillet 2016

 

أنا لست لاجئا، ولا أقبل أن أكون عنوان مقال صحفي لا يناقش ذاتي الإنسانية بكل صدق ، ربما أنا حدث تاريخي عابر للقارات و زوبعة آلم تعصف بهذا العالم المقرف, لكن لا أقبل بأن أُسمى لاجئاً .

و أنا الفرد الذي خسر كل الأصدقاء قتلى في الوطن، و راح يتسول بحثا عن صديق جديد في مكان بارد. و ربما أنا الضحية التي لا يجب أن تصرخ أو تدافع عن ذاتها , و ربما الأحلام التي انكسرت على حدود الوطن و الجرح الذي مازال ينزف و المشكلة التي يجب ألا تُحل و القهر الذي عليه أن يستمر .

منذ خمس سنوات و الوضع في سوريا مضطرب , الناس تفر هناك من الموت بحثا عن الأمان , تهرب مع أحلامها و حزنها نحو البلدان المجاورة , و الكثير من هؤلاء المساكين قد وصلوا بلاد عدة. منذ عام و نصف تقريبا , أعيش في برلين , أحاول أن أصنع لنفسي قليلا من الأمل في مجتمع غريب و جديد علي , لكني ما زلت أعاني فيه لصعوبة اللغة و غرابة المكان و قلة الفرص التي بحثت عنها جاهدا دون جدوى.

ربما لا أحزن كثيرا عندما أجد بعض الناس قلقين لأننا هنا , لأنني أتفهم أنهم لا يحبون الغرباء و هذا طبيعي. لكن ما يؤلم حقا عندما يتحدث عني الأخرين بينما لا استطيع أنا التحدث عن نفسي أو حتى الدفاع عنها , و عندما أجد الكثير من المقالات و التقارير التلفزيونية تتحدث عني  » أنا  » , و أجد نفسي عاجزا عن الرد , و أعجز حتى عن تصويب المعلومات الخاطئة التي يتداولها الإعلام عني , ولا أتمكن من توضيح ما هو صحيح و ما هو خاطئ , بينما كل ما هو مطلوب مني أن أستمع و أقرأ دون تعليق و لو بشق كلمة, فأنا السوري الذي يجب ألا يتحدث بينما مسموح لكل الدنيا أن تتحدث عني.

عندما أتصفح الجرائد , أجد نفسي في الصفحة الأولى , في التلفاز أكون حديث الساسة , كل الضيوف يتحدثون عني و أنا الغائب الذي لا يريد أحد أن يُسمح له بالحديث , ولا أن يشرح أسبابه .. لا أحد يريد أن يفهم من أي جحيم أتيت و لماذا أنا هنا … و لماذا أصنع كل هذا الجدل .

تصدر برلمانات الدول قرارات كثيرة عني , لا أعرفها و هي أصلا بلغة لا أجيدها ولا أعرف عنها شيئاً , ربما مصادفة أسمع من صديق عنها , و لا أتمكن من قراءتها و لا أفهم لماذا و كيف , لكن كل ما هو علي تماما أن أطبق هذا القانون و أن أحاول أن أكون لاجئا مهذبا و لطيفا , لا يزعج عامل الجوب سنتر , و لا ينظر للنساء و لا يذهب للمسابح , و لا يمشي في الأسواق ولا يركب الباصات مع رفاقه , و إن فعل , فيجب ألا يتحدث لغته الأم , لأن كل الأعين ستنظر إليه و تقول  » لمَ أنت هنا « .

ما علي تماما , أن أذهب إلى مدرسة اللغة دون محاولات التغيب, وأن أبحث عن عمل بشكل سريع جدا , و أن ألقي السلام على جاري الذي هو أساسا غير مقتنع بتواجدي في هذا المكان , وعلي أيضاً أن أتقبل كل أخطاء الأخرين معي , لأنني ببساطة أجلس في منازلهم و أعيش من موارد دولتهم , كل هذا هو أسلوب حياة مفروض علي , و هل تعرفون لماذا ؟  » فقط لأنني لم أقبل الموت بسبب برميل متفجر في سوريا « .

ليست المعاناة أن ترى إنسانا من بيئة مختلفة جارا جديداً لك , إنما المعاناة أن تترك وطنك مجبرا و أن تنتظر أشهرأً طويلة للم شمل أسرتك , وأن تهاجر مسرعا دون أن تتمكن من الالتفات وراءك , لتلقي نظرة الوداع على المكان و الأصدقاء من خلفك .

و أنا في الاغتراب لست حديث الساعة و حسب , بل البؤس الذي يُختصر في القرن الواحد و العشرين , و ضحية كل المجتمعات التي تحاول أن تبتلع ثقافتي لكي أنصهر بها , و الإنسان الذي لا يملك منبرا للحديث عن ألمه , بينما كل هذه المجتمعات تمتلك منابرها للحديث عن هذا الغريب الجديد و اللاجئ و ربما بأسوأ العبارات , لكنني لا أستطيع الرد .

لن أكثر في المرة الأولى , أنا السوري الذي اخترع الأبجدية لكي تتواصل هذه البشرية مع بعضها البعض , فلا تمنعوا عني الكلام في كل مناسبة , فأنا لست لاجئاً بقدر ما أؤلف كتلة مشاعر فياضة و حساسة تبحث عن أملٍ – بين كل هذا الركام – وعن شيءِ من الدفء, و بعض كلمات الشكر لكل من وقف معي في هذا البلاء « .

https://magazin.spiegel.de/SP/2016/15/144021707/…

Photo de Nather Henafe Alali.

Der Syrer : Mein zweiter Artikel wurde in der deutschen Zeitung, dem SPIEGEL, veröffentlicht.

مقالي الثاني في الصحف الألمانية , هذه المرة في دير شبيغل .

الترجمة  » أنا بؤس القرن ال 21 «