أي جاذبية لهذا « النموذج »؟! -محمد أبو رمان

Article  •  Publié sur Souria Houria le 21 octobre 2014

كيف يستطيع تنظيم « داعش » تجنيد الآلاف من المقاتلين في سورية والعراق، والعالم العربي، وحتى في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية؛ وهو يحمل هذا المنظور الأيديولوجي المتشدد في رؤيته الدينية والسياسية، وفي تعامله العنيف والدموي مع الآخرين، حتى لو كانوا جماعات إسلامية أخرى، مثل « الجبهة الإسلامية » و »جبهة النصرة »؟!
الجاذبية الأكثر تأثيراً لهذا النموذج في كل من سورية والعراق، تتمثّل في جاذبية الانتقام. إذ إنّ الأعوام الأخيرة شهدت فصولاً دامية للمجتمع السُنّي هناك؛ فقتل في سورية مئات الآلاف، وتشرّد الملايين، وعمّت الفوضى السياسية والأمنية، فيما كانت الأطراف الخارجية الفاعلة هي من يقف في صفّ نظام الأسد.
أمّا في العراق، فقد خسر السُنّة النظام السياسي بعد صدام حسين. ثم جاءت فترة رئيس الوزراء نوري المالكي لتكرس هيمنة القوى السياسية الشيعية الموالية لإيران، مع قوانين وتشريعات معادية تجاه المجتمع السُنّي، بذريعة الإرهاب واستثناء البعثيين السابقين؛ والتي لاحقت حتى النخبة السُنّية التي قررت الانضمام إلى النظام الجديد، وأصابت مئات الآلاف من الجيش العراقي السابق والبعثيين، من أبناء الطبقة الوسطى. هذا بالإضافة إلى عمليات التهجير في بغداد، والاعتقالات وقمع الاحتجاجات السلمية في العام 2011.
كل ذلك خلق مشاعر متأججة ترغب في الانتقام. وهو ما حققه تنظيم « داعش » عبر خطاب هويّاتي صرف (إذ تقوم رؤيته الأيديولوجية على منطق الصدام مع الشيعة وتكفيرهم)، انسجم مع مشاعر الغضب والإحباط السُنّية. وكان هذا التنظيم الأقدر على تنفيذ عمليات مؤلمة ضد الأميركيين والقوى الشيعية الأخرى، ما شجّع كثيراً من المهمّشين والغاضبين والمحبطين على الالتحاق به.
أمّا الجاذبية الثانية، ولا تقل أهمية عن الأولى، فهي « جاذبية القوة ». إذ استطاع « داعش » خلال الأعوام الماضية، تحقيق اختراق واسع في المجال العسكري، وسيطر على مساحات واسعة من الأراضي، بينما عجزت عن تحقيق ذلك الفصائل الأخرى، سواء كانت إسلامية أو وطنية.
يفسر بعض الأصدقاء العراقيين المناوئين للتنظيم مثل هذا الصعود، بأنّ السُنّة حاولوا عبر البوابة السياسية السلمية، خلال الأعوام الماضية، تحصيل جزء بسيط من الحقوق، وبناء التوازن في الوضع القائم، إنما من دون جدوى؛ بل تعرضوا للاعتقال والتطهير والإقصاء. بينما استطاع هذا التنظيم، خلال ساعات معدودة بعد سيطرته على الموصل، قلب المعادلة رأساً على عقب، وأن يفرج بالقوة عن المعتقلين، ويمنح السُنّة حكماً لامركزياً، ويطيح بالمالكي. وكذلك الأمر في سورية؛ عندما قتل مئات الآلاف من جنود النظام السوري، وسيطر على فرقة عسكرية كاملة، ومطار الطبقة!
يمكن ملاحظة هذا النوع من الجاذبية في الرسالة الإعلامية للتنظيم؛ إذ تركز (على النقيض من الخطاب السائد في المشهد العربي) على عامل القوة والتوحّش، بدلاً من عامل الاستعطاف والضعف. فالتنظيم يراهن على عامل الخوف المتأتي من هذه الرسائل الوحشية. وربما هذه الاستراتيجية واضحة في عناوين التسجيلات المصورة، مثل « فشرّد بهم من خلفهم »، و »صليل الصوارم »، و »دماء الجهاد »، و »ادخلوا عليهم الباب »، وغيرها.
الجاذبية الثالثة، هي جاذبية الفراغات الروحية والسياسية والثقافية؛ سواء في العالم العربي أو حتى الغربي، لدى شريحة واسعة من الشباب والمراهقين. فكما أنّ هناك حاضنة اجتماعية، هناك أيضاً « حاضنة نفسية » تحمل الاستعداد لهذا النموذج.
رغم هذه « الجاذبيات »، إلاّ أنّها طارئة محدودة؛ مرتبطة بالظرف الاستثنائي الراهن، وبغياب الأفق السياسي وبمشاعر الإحباط واليأس. وفي حال فقط فُتح باب الأمل، ورأى الناس أفقاً، فإنه لن يكون مثل هذا النموذج قادراً على البقاء والاستمرار. وربما ذلك يفسر حالة الرعب التي أصابت قادة « القاعدة » في المرحلة الأولى لثورات الربيع العربي.