الجاذبية للتطرف – باسم الطويسي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 14 avril 2015

الجاذبية للتطرف – باسم الطويسي

في الدراسات الثقافية، تم تقسيم العالم إلى تسع مناطق ثقافية؛ وفق اللغات والأديان وأنماط التعبيرات الثقافية. والسؤال المطروح هذه الأيام: هل ثمة محددات تجعل البيئة الثقافية العربية أكثر جاذبية للتطرف؛ وما مدى دور وسائل الإعلام في تعميقها؟
لقد تنامى اشتباك الإعلام في العالم العربي مع ظاهرة التطرف بشكل واضح خلال العقد الماضي. وازداد الأمر تفاقما خلال السنوات الأربع الماضية، بعد موجة الثورات والتحولات العربية. وبرزت صور عديدة دالة على حجم تفاقم هذا الاشتباك؛ أهمها حدة الاستقطاب السياسي والإعلامي، وتحول العديد من المنابر الإعلامية إلى منابر لنشر خطابات الكراهية؛ حيث أصبح الإعلام جزءا من الأزمة الكبرى التي أنهكت المجتمعات العربية، بأن صار (الإعلام) واحدا من أهم محركات التطرف ونشر الكراهية.
وفيما توسع حجم الفضاء التلفزيوني العربي خلال آخر خمس سنوات بأكثر من ثلاثة أضعاف، فإن المفاجأة أن نحو 20 % من هذا الفضاء تشغله قنوات دينية. حيث ازداد عدد القنوات الفضائية خلال هذه الفترة نحو 300 %، وبعد أن كان هناك 43 قناة دينية العام 2009، وصل العدد إلى 143 قناة العام 2012، ونحو 160 قناة العام 2013، وصولا إلى نحو 225 قناة في نهاية العام 2014. كذلك هي الحال بشأن المحتوى العربي على شبكة الإنترنت. فقد كنا لسنوات عديدة نعاني من تدني حجم هذا المحتوى، وخلال آخر خمس سنوات ازداد هذا المحتوى بشكل كبير جدا، وصل إلى نحو 18 ضعفا. وتعد اللغة العربية في السنوات الأخيرة من أكثر اللغات نموا على شبكات الإعلام الاجتماعي. لكن الأهم من ذلك كله سؤال: ما هي نوعية هذا المحتوى، وما حجم المضامين السلبية التي تشكل بيئة لخطابات الكراهية والتطرف؟
يفسر هذا التطور جانبا من بيئة التطرف الثقافية، من خلال الجاذبية والاستعداد الذاتي لوسائل الإعلام للقيام بهذا الدور. إذ إن نظم الإعلام العربية غير مستقلة، ولا تتمتع بالحرية ولا بالمهنية الإعلامية، ما جعلها تتحول، بسهولة، من أدوات للسلطة التقليدية إلى أدوات تتصارع عليها السلطات والإرهابيون والمتطرفون، ولم تكن في يوم أدوات في يد المجتمعات.
إن العالم العربي لا يحتاج إلى خطة أو استراتيجية جديدة في مجال الإعلام لمحاربة التطرف والإرهاب، ولكنه بالفعل بحاجة إلى خطة أو استراتيجية جديدة لإعادة بناء الإعلام وإصلاحه، وخطة لإصلاح أدوات الثقافة ومؤسساتها. وإذا ما تم هذا الإصلاح، وتُرك المجال لهذه الوسائل والأدوات للقيام بعملها بمهنية تامة واستقلالية، فإن هذا كفيل بأن تعمل آليات ذاتية على طرد كل هذه الظواهر الشاذة.
إن التطرف السياسي هو الذي حرك الراكد الديني وأخرجه، وهو الذي جعل من الصحافة ووسائل الإعلام، وأدوات صناعة الثقافة ووسائل غرسها الاجتماعية والتعليمية في أحيان كثيرة، أدوات في أيدي المتطرفين السياسيين والدينيين، لا فرق؛ بمعنى أن جوهر الأزمة وبيت الأسرار هما في التطرف السياسي الذي استدعى التطرف الديني، ووظف من أجله أدوات الإعلام والثقافة، وقد عطلها منذ عقود عن عملها الحقيقي؛ سواء بالفساد أو الجهل لا فرق. وهذه الحقيقة تشير إلى حجم الأمية الديمقراطية والفقر السياسي الذي ما يزال يبعد شعوب هذه المنطقة عن إنشاء دول لكل مواطنيها، تؤسس على التعدد المبدع، وتحترم التنوع وتحرص عليه.