الغرب ورُهاب «الجهاد العالمي» – بشير هلال

Article  •  Publié sur Souria Houria le 20 juillet 2014

ن لندن إلى واشنطن مروراً بباريس وبروكسيل وأوسلو وباريس، ثمة إبراز لقلقٍ متعاظم من «الجهاد العالمي»، بخاصة بعد الإعلان المشهدي المنظم للخلافة بالطريقة الداعشية المُمسرحة التي شهدناها. أوروبا على لسان منسقها لشؤون مكافحة الإرهاب جيل دي كيرشوف تخشى ان تكون العطلة المدرسية الصيفية مناسبة لمغادرة مئات الشباب الى الجهاد. في باريس ستسن الحكومة قانوناً يسمح لأجهزتها المختصة بمنع سفر المظنون انهم ذاهبون لـ»الجهاد» في سورية او العراق وغيره و «متابعتهم» وفرض رقابة أكبر على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مع إعطاء اجهزة الأمن حق إقفال ما يستخدم منها في الترويج والدعاية للارهاب من دون حاجة إلى حكم قضائي. وفي واشنطن تزيد الإدارة إجراءاتها المعلنة والسرية بعدما راج ان عشرات الأميركيين يشاركون في سورية الى جانب «داعش» و «النصرة»، وأن احدهم قُتِل خلال تنفيذه عملية انتحارية. وحتى في سنغافورة الآسيوية البعيدة يسود القلق نفسه.
معادلات الخوف والتخويف هذه لا تنطلق بالطبع من مجرد فرضيات بل من وقائع اعتداءات ايلول (سبتمبر) الى العملية التي نفذها قبل اسابيع فرنسي من أصلٍ جزائري ضد المتحف اليهودي في بروكسيل مروراً بتفجيرات مدريد ولندن. لكن تناولها ومقاربتها يشيران إلى حزمتين من الملاحظات.
الأولى، تلك المتصلة بكيفية تقديمها من قوى وهيئات لها مصالح متقاطعة حيناً ومتعارضة حيناً آخر:
– في مقدمة أصحاب المصلحة في تعميم حالة ذعر جماعي من الجهاد تقف قوى اليمين المتطرف في اوروبا التي تريد اعادة هيكلة المشهد السياسي في بلدانها ومجمل القارة القديمة انطلاقاً من موضوعتَيْ الهجرة والأمن، بعدما أثبتتا فائدتهما في تغيير الأمزجة الانتخابية والضغط لتيمين اليمين والوسط التاريخييْن. وهي قوى تلجأ إلى تعظيم الوقائع المحدودة حتى الآن على رغم معرفتها بأنها تعود الى اسباب متعددة المستويات يلتقي فيها الديني بالاجتماعي بالجيلي بالسياسي، ولا يلعب فيها «الجهاد» إلا دور المستفيد الذي يعيد تدويرها إلى المستوى الهوياتي الثقافوي مستفيداً بدوره من تدعيم شعور بعض المسلمين بالتمييز الذي يغذيه اليمين المتطرف وآليات اشتغاله.
– الأجهزة الأمنية التي تحتاج الى ادوات تدخل قانونية اكبر لتنفيذ سياسات اكثر فعالية في مكافحة الإرهابين المنظم والفردي.
– القوى الحاكمة عموماً التي تجد لها مصلحة جزئية في إعطاء الارهاب موقعاً مركزياً في الاعلام، الأمر الذي يساهم من جهة في تفادي اتهامها بالتقصير في تنبيه الرأي العام إلى المخاطر غير المتوقعة من الارهاب، وهي مخاطر حقيقية، ومن جهة أخرى في تخفيف التركيز على الحراكات الاحتجاجية ضد السياسات التقشفية اللاحقة للأزمة الاقتصادية-المالية في اوروبا.
– تبرير سياسات الهجرة واللجوء التي تقودها مفوضية الاتحاد الاوروبي والتي تركز أكثر فأكثر على تقليصها، على رغم ان الدراسات تثبت حاجة القارة القديمة الى المزيد من المهاجرين للحفاظ على نسب النمو وتمويل مؤسسات الضمان الاجتماعي وتقديمات دولة الرعاية، حيث توقعت مؤسسة يوروستات أنه من دون المهاجرين سيتراجع عدد سكان الاتحاد الأوروبي بمقدار 48 مليون نسمة بحلول عام 2060. وهي سياسات احتجت عليها منظمة العفو الدولية في بيانٍ نُشر قبل أيام واتهمت فيه الاتحاد الاوروبي بأنه تحول إلى «حصن يعرّض للخطر حياة المهاجرين». وتظهِر إحصاءات حديثة أن دول الاتحاد صرفت حوالى ملياري يورو على مراقبة حدودها لمنع اللجوء والهجرة غير الشرعيين في حين لم تنفق إلا 700 مليون دولار على تحسين أوضاع اللاجئين.
– مجموعات الضغط السياسية والاقتصادية العاملة على اعادة هيكلة السياسات الخارجية باتجاه تحسين العلاقات الأميركية والغربية مع نظام الخميني وإعادة تأهيل النظام الأسدي، عبر صيغة التعاون في «الحرب على الإرهاب»، بالإفادة من التركيز على «الفوضى السنية» وإدغامها بظلامية وعدمية «داعش» و «القاعدة» والتنظيمات المشابهة في سورية والعراق وبلدان أخرى، ومحو تاريخ النظامين الحافل بتوليد ورعاية الارهاب المتعدد الانتماء المذهبي والإثني. وهي ضغوطٌ مآلها تشجيع المركز الايراني على السير بالحرب الاهلية السنية – الشيعية حتى نهاياتها التي يجب ان تسفر، وفق ساسة طهران، عن احتلالها موقع القوة الإقليمية الأعظم.
الحزمة الثانية من الملاحظات حول القلق الغربي تتصل بالتخوف من الأرضية التي يؤمنها لتوسع «الجهاد العالمي»، وتغلُب التفسير المحافظ للإسلام لدى شرائح واسعة من المهاجرين من أصولٍ إسلامية بوصفها أرضية قيمية متناقضة مع الدولة الحديثة، سواء تلك التي تتبنى العلمنة على المثال الفرنسي أو الدنْيَوة على المثال الأنكلوسكسوني، نظراً الى تمسك هذا التفسير بعدم قبول الفصل بين الدين والدنيا، ما ينجم عنه اصرار على تطبيق الشريعة وعدم الاعتراف بالمساواة بين الجنسين وبحق اختيار المُعتقد الديني أو عدمه. وجميعها تشكل موضوعياً عناصر احتكاك دائم مع الديموقراطيات الغربية.
ومن الجلي ان تعقيدات «الربيع العربي»، وبخاصة استنقاع الثورة السورية تحت تأثير وحشية القمع والمشاركة الإيرانية – الروسية فيه وعدم تدخل «المجتمع الدولي» والغرب لوقفه وبروز التصدعات الأهلية وترسيخ وتوسيع سيطرة تنظيم «داعش» على جزء من سورية ثم من العراق وإعلانه الخلافة…، عوامل تزيد صعوبة مقروئية «الربيع العربي» ومقاربته كعملية تاريخية كما تُفاقم الرهاب من «الجهاد العالمي». وبذلك يدخل الغرب مرحلة جديدة غير مسبوقة ومتمايزة عموماً عن تقديره لمعطيات السياسة الشرق اوسطية و «الإسلامية» خلال المرحلة المنصرمة والتي بدا انه واكب وقبِل خلالها الغلبة «الاخوانية» في البلدان التي تمكنت فيها المعارضات الشعبية من اسقاط انظمتها على امل تكرار التجربة التركية لـ «حزب العدالة والتنمية» قبل ان تتجه الى مساراتها التسلطية الحالية بتأثير رائدها نفسه أردوغان.
ثمة إذاً في ارتفاع المكانة الإعلامية والأمنية غرباً لموضوعة الإرهاب و «الجهاد العالمي» قدرٌ من واقعية النظر إلى المخاطر، ولكن أيضاً من الإحباط تجاه مآلات الربيع العربي يمكن المسلمين والعالم العربي أن يتلقفوه بوصفه، على رغم كل شيء، دعوة للخروج من الحلقة المفرغة للربط الحكمي بين الدين والدنيا والسياسة بتفسيرٍ لا زمني ولا تاريخي.