القادم أسوأ – أيمن الصفدي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 7 février 2016

تم نشره في الأحد 7 شباط / فبراير 2016. 01:08 صباحاً

انتهت محادثات السلام السوريّة إلى فشلٍ كان محتوماً. فلم تملك تلك المحادثات أيّاً من مقوّمات النجاح. انعقدت استجابةً لرغبةٍ أميركيّة-روسيّة فرضت نفسها على طرفيّ الصراع، ومن دون التوافق على الحدّ الأدنى من شروط الاستمراريّة سبيلاً ذا صدقيّة للحلّ. لا وفد النظام كان في وارد تقديم أيّ تنازلاتٍ وهو يحقّق انتصاراتٍ عسكريةً قوّت وهمه أنّه قادرٌ على حسم الصراع ميدانيّاً. ولا الهيئة العليا للمفاوضات كانت مستعدةً للتراجع عن طلباتٍ يرفضها النظام شروطاً مسبقةً.

لكنّ المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا ما يزال مصرّاً على استئناف جهوده جمع الطرفين في جنيف في الخامس والعشرين من الشهر الحالي. جهوده ستكون حرثاً في بحرٍ هائج. ما حال دون نجاح الجولة السابقة حتّى في الانطلاق رسميّاً سيقود إلى فشل المحادثات القادمة إن التأمت: لا قرار دوليّاً وإقليميّاً بعد لوقف الحرب.

القول إن الحلّ للأزمة ما يزال سوريّاً كذبةٌ كبيرة. النظام لا يملك قراره بالمطلق، والمعارضة أسيرة التجاذبات والتناقضات التي تحكم علاقات الدول المؤثّرة. مسيرة بدء وقف الصراع في سورية تبدأ من توافقٍ دوليٍّ إقليميّ. وذاك توافقٌ صعبٌ بعيدٌ لم تنضج متطلّباته بعد.

فالولايات المتحدة تتعامل مع المأساة السورية تكتيكيّاً. أولويّتها هزيمة « داعش » وليس الوصول إلى تسويةٍ شاملة. أضف إلى ذلك أنّها غير راغبةٍ في تولّي القيادة الحقيقيّة لهذا الجهد أو دفع الكلفة اللازمة لإنجاحه. روسيا تعرف ذلك وتمضي، تالياً، في مشروعها منع إسقاط النظام من الخارج، وتأخذ وقتها في ترتيب مآلات الأحداث وفق أولويّاتها.

كذلك تعرف إيران أنّ الولايات المتحدة لن تغيّر سياساتها إزاءها وإزاء سورية في السنة الأخيرة من حكم الرئيس أوباما، الذي سيحرص على حماية الاتفاق النووي، وسيغضّ، في سبيل ذلك، الطرف عن ممارسات إيران الإقليميّة.

ستزيد إيران من انخراطها في الحرب السورية لصالح النظام. وستفعل ذلك وهي مرتاحةٌ أيضاً إلى أنّ أوروبا، التي اشترت مهادنة كثير من دولها بمليارات الدولارات من الصفقات الموقعة والمحتملة، ستتحاشى تحدّي سياساتها. ستفرز الانتخابات النيابيّة هذا الشهر نظاماً أكثر تطرّفاً بعد أن مُنع نحو 99 % من « المعتدلين » من الترشّح. وسينعكس هذا التطرّف تشدّداً وعدائيّة أعمق في موقفها، خصوصاً مع تصاعد أزمتها مع السعوديّة.

أما تركيا، فهي محكومةٌ بتحقيق مطامع أردوغان « السلطانية » وبمخاوفها من تمكين الأكراد السوريين في جوارها. ستعمل أنقرة على تأجيج الصراع لمضايقة الروس ولمحاصرة الأكراد. وستستمرّ في رعاية فصائل مقاتلةٍ وتسليحها، رغم تبنّي بعضها فكراً إرهابيّاً، ما يعني إبقاء نار الحرب مشتعلة.
ويزيد الطينَ بلّةً الانقسام العربيّ حول تفاصيل الحلّ، والتناقض في المواقف من الفصائل المقاتلة، إضافةً إلى الأزمة المتصاعدة بين السعوديّة وإيران. وحتّى لو وصلت الدول العربيّة إلى موقفٍ موحدٍ تجاه الأزمة، لن تملك القدرة على تغيير مسار الأحداث الآن، بعد أن صارت سورية ساحة صراعٍ دوليّة، وتقاسم النظام والإرهابيّون السيطرة على معظم الأرض.

كلّ المؤشّرات أنّ القادم في سورية أسوأ. لا أمل من مسار جنيف إلا إذا بدأ من اتفاقٍ دولي إقليميٍّ على شروط الحلّ. تحقيق ذلك قبل الخامس والعشرين من الشهر الحاليّ مستحيل، ما يجعل الدعوة إلى محادثاتٍ جديدةٍ قراراً عبثيّاً لن تستفيد منه إلا فنادق المدينة السويسريّة.