النسوية والمقتلة السورية – سلام الكواكبي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 26 novembre 2016

يتحسب كثيرون في المنطقة العربية، بمكوناتها كافة، وبطريقة متطرفة، من مختلف أشكال النضال النسوي، أو الانخراط التفاعلي مع المسائل النسوية، أو أي محاولة في التصدي للدفاع عن حقوق المرأة، من ضمن إيمانٍ شامل بالدفاع عن حقوق الإنسان عمومًا. كما يعرف كثيرون أن المنطقة وثقافاتها المتنوعة، تزخر بأنواع التمييز كافة ضد المرأة، من ضمن منظومة أوسع؛ للتمييز ضد المواطنين جميعًا، الخاضعين إما لسلطة سياسية قمعية، أو لسلطة دينية مستبدة، أو لكليهما معًا، وهو المزيج الأكثر انتشارًا والأكثر خطورة.

وتُرجع أغلب القراءات النظرية السبب إلى العامل الديني، أو الثقافة الدينية، أو الذكورية المتفجرة، وتُهمل -في المقابل- إهمالًا لافتًا، العامل الاقتصادي الذي نجد آثاره في أشكال التمييز المختلفة، وفي الاستغلال الجنسي وغير الجنسي. وفي جوٍ ذكوري فاحش، يُسيطر علنًا أو ضمنًا، على المجتمع، تتصدى النسويات للمسألة النسوية بشجاعة، ويدافعن عن حقوقهن، بالاستناد إلى المبادئ الكونية التي تعمل على تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، بعيدًا عن كل أشكال التمييز. وعلى الرغم من أن الانتهاكات تعد بالغة الظهور وعميقة الأثر في مناطق ذات مكون ديني إسلامي غالب، فلا بد من الإشارة إلى أن مثل هذه الانتهاكات موجودة في المجتمعات المختلفة بنسبٍ متفاوتةٍ.

وفي سورية، تتعرض النساء والفتيات، مثلما يتعرض الرجال والأطفال، لأعمال العنف خلال تجليّات المقتلة القائمة، ويعانين معاناة مباشرة أو غير مباشرة من أثار الاقتتال، إضافة إلى نقص الغذاء والمواد الأساسية الأخرى التي يحتجنها من أجل بقائهن، ويتحتم على النساء تحمل مسؤولية أكبر في رعاية أطفالهن وأقاربهن، وتزداد هذه المسؤولية عندما يترك الرجال عائلاتهم؛ للمشاركة في الأعمال القتالية أو عندما يجري اعتقالهم أو قتلهم أو خطفهم أو تهجيرهم أو نفيهم. إن غياب الرجال يفاقم الوضع سوءًا، ويزيد من شعور النساء والأطفال بعدم الأمان والخطر، وتعاظم فرص تضعضع آليات الدعم التقليدية، والتي يعتمد عليها المجتمع، وخصوصًا النساء. حيث يؤدي هذا الشعور إلى دفعهن إلى ترك منازلهن وقراهن، والفرار إلى مناطق أكثر أمنًا، ولذلك؛ فمن الطبيعي أن تشكل النساء والأطفال الأغلبية الساحقة من اللاجئين.

يسود اعتقاد لدى بعضهم بأن لا داعي؛ لكي تهرب النساء من الاقتتال، أو تهديدات الأعمال الحربية لمجرد كونهن نساء، وأن الأطراف المتحاربة ستقوم بتوفير قدر أكبر من الحماية، ويعتقدن أن دورهن “الجندري” الذي أُسس مجتمعيًا سيقدم لهن الحماية. ولهذا السبب؛ تبقى النساء لحماية ممتلكات وموارد رزق العائلة، والاهتمام بالمسنين والشباب وأفراد العائلة المرضى الذين لا يستطيعون الهرب، ولمتابعة تعليم أطفالهن، ولزيارة ودعم أفراد العائلة المعتقلين، والبحث عن المفقودين. إن هذا الاعتقاد وشعور الأمان المفترض بعيد كل البعد عن الواقع، وعلى النقيض من ذلك، فإن النساء -تحديدًا- يُستهدفن لكونهن نساء، وبسبب قربهن من مراكز الاقتتال، أو تمركز القوات المسلحة بالقرب من المناطق السكنية، تُجبر النساء على تقييد حركتهن؛ ما يقيّد -بالتالي- حصولهن على الغذاء والمياه والمساعدة الطبية، وقدرتهن على تربية الحيوانات وزراعة المحاصيل، وتبادل المعلومات والأخبار، والحصول على الدعم الأسري أو المجتمعي.

في هذا الإطار، يُعدّ القرار رقم 1325، الصادر في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2000، عن مجلس الأمن، هو القرار الأول في ما يتعلق بالنساء في النزاعات المسلحة؛ حيث يضع برنامجًا كاملًا، ويؤمن للنساء المشاركة الكاملة -بالتساوي- في مسيرة السلام، وفي النشاط المؤدي إلى تعزيز السلام. وأيضًا، فإنه يعطي لدور المرأة مكانة مهمة في المشاركة في عمليات حفظ السلام. وفي مجال احترام حقوق المرأة في النزاعات، تقف النصوص عاجزة، وهناك قصور شامل في تطبيقها. وينعكس ذلك بشدة في الغياب شبه الكامل للمرأة عن لجان التحقيق في جرائم الحرب، وبغيابهن، تعجز هذه اللجان عن التحقيق تحقيقًا كاملًا ومعمقًا في الانتهاكات الممارسة بحق النساء، وكذلك، ينعكس غيابهن في إقصاء المرأة عن المشاركة والمساهمة في المفاوضات المؤدية إلى إيقاف النزاعات المسلحة، على الرغم من دور النساء المهم في الحركات السلمية في المجتمعات.

نضاليًا، يمكن عدّ التطرف في الموقف لدى بعض النسويات، وسيلة ناجحة لتعزيز حظوظ وتوسيع مساحات السيطرة الذكورية. وفي الحالة السورية، يُعتقد بأن التركيز على حقوق ودور المرأة أساسٌ لا حياد عنه في مسار التغيير البنيوي الذي يسعى المجتمع له، والذي دفع بجزءٍ أساسي منه إلى المشاركة في الاحتجاجات التي أفضت إلى ثورة، وقبل أن تنتقل إلى المقتلة، ويُستحسن أن يُعزّز هذا التركيز باختيارات ترتبط بالأولويات، دونما إهمال المجمل. كما من المهم أن تُربط المسألة النسوية والانتهاكات التي تتعرض لها النساء بشكل نظام الحكم، وبتحليل بنية الاستبداد المُمَارس على مجمل فئات الشعب، وتفكيك الهيكلية الاقتصادية، المُفضية إلى تعزيز الذكورية، هي أيضًا مهمة عاجلة.

نضال النساء السوريات هائل وعظيم، وليس محصورًا في المواقف المبدئية والنشاط التوعوي، بل هو -أساسًا- متمحور حول عذاباتهن اليومية، من جرّاء تضافر “جهد” المستبد -السياسي والديني، وكذلك العادات والأعراف، كما أنه يواجه -بشجاعة لافتة- رغبة ثقافية في تحييده عن اتجاهه.