براميل غذاء – أحمد جميل عزم

Article  •  Publié sur Souria Houria le 13 janvier 2016

Photo_Ahmad Azam

لا بد من الإشارة إلى أن الكتابة للإعلام تتضمن الكثير من المعايير المهنية والأخلاقية التي لا بد من التقيد التام بها. ودعوني أنقل مثلا أني شخصيا لا أقبل اعتماد ترجمة لمقال أو خبر، أو نقل مصدر عن مصدر، وأصر على الرجوع للمقال الأصلي، فضلا عن محاكمة النص من حيث وضوح المصدر والتأكد من عدم نفيه، والكثير غير ذلك، قبل اعتماد معلومة ما. هذا عندما يكون المصدر من الإعلام. وهذا كله لم يمنع أن أخطئ في مقال يوم الجمعة الماضي، بأن أشير إشارة عابرة لصورة فتاة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي على أنها تعاني الجوع من قرية مضايا، واتضح أنها ليست كذلك.
بحسب السفير البريطاني للأمم المتحدة، ماثيو رايكروفت، فإنّ مضايا السورية تشكل 10 % فقط من الناس المحاصرين في سورية الآن، وواحد بالمئة فقط ممن يصعب الوصول إليهم. وعدا الصور الحية لفضائيات عربية (معادية للنظام)، نقلت المعلومات ذاتها ووكالات أنباء عالمية مرموقة مختلفة، موثقة من داخل البلدة.
يبقى السؤال: هل يريح ضمائر أنصار نظام بشار حافظ الأسد، أنّ صورة أو أكثر مما تم تداوله الأسبوع الماضي عن حصار قرية مضايا لم تكن حقيقية؟ وهل حقا يستطيعون اعتبار كل المعلومات الأخرى زائفة؟ أم يريحهم أنّ هناك قرى تحت سيطرة الجيش، مثل الفوعة وكفريا يحاصرها المتمردون أو التكفيريون أو أي طرف آخر، وربما قوى طائفية أو تكفيرية أو إرهابية أخرى، وأن هذه القرى تعاني التجويع أيضاً؟ وأنّ صورة الطفلة ذات الرداء الأزرق التي انتشرت على أنها من مضايا، هي مريانا من جنوب لبنان، والبعض سرق الصورة وفبركها؟! وأنّ هذا جزء من حفلة « تزييف إعلامي »، وجزء من « مخطط منظم » لحرمان إيران من مكاسب ما بعد الاتفاق النووي، وجزء من حرب طائفية ومذهبية، كما يقول قيادي في حزب الله؟
الحديث ليس عن شركاء النظام من المنتفعين، بل عن أصحاب النوايا الحسنة الذين اجتهدوا بالوقوف لجانب الجلاد، واعتبروا التناقض معه ثانوياً.
لا يريد أنصار نظام بشار الأسد أن يروا حقيقة ما أوصل سورية لما وصلت له، بدءا من عملية التوريث الرجعية للحكم، رغم كل شعارات التقدمية والثورية التي رفعها نظام حزب البعث، ورغم أن عملية التوريث تلك نقيض للتقدمية. ولا يريدون رؤية الدكتاتورية والدموية التي حكمت سورية وكان لا بد أن تنتج ما أنتجته. ولا يريدون رؤية ما قام به النظام السوري في لبنان، الذي احتُل جنوبه نهاية السبعينيات، وذُبح الفلسطينيون في مخيماته، وجيش النظام السوري مرابط في لبنان قربهم لا يتحرك. ولا يريدون سماع أسماء السوريين واللبنانيين والفلسطينيين الذين قتلهم النظام السوري، ولا يتذكرون استباحة الإسرائيليين للأراضي السورية مرارا من دون رد. هل مثلا قصة ميشال سماحة، الوزير اللبناني الذي حمل المتفجرات من سورية إلى لبنان، مفبركة، مثل قصة ماريانا؟
هل التعلق بقشة صورة مفبركة ينهي الموضوع؟
بعد أن تم قتل وذبح وملاحقة الرسامين والمغنين والمثقفين في سورية، وقمع الثورة السلمية من قبل النظام، جاء الإرهاب، والإجرام، والتكفير، والمرتزقة إلى سورية، ولم يعد ممكنا الاختيار بين السيئ والسيئ، ولم يعد هناك سيئ وأسوأ، بل جميعهم في السوء سيّان، ولكن المنطق أن النظام يتحمل الوزر في الحالتين، وأنه « فاسد » أو « فاشل ».
عند التعاطف مع أهل مضايا، الذين لا بد من الإقرار أن قضيتهم غطيت إعلامياً أكثر من غيرهم، فإنّ أحداً لم يتعاطف أو يؤيد أو يدافع عن المسلحين المتواجدين في القرية، ولكن لا يمكن تناسي ما فعله النظام طوال عشرات السنوات، وهذا لا يتضمن أي انحياز لأعدائه الذين ينافسونه سوءاً، ولماذا يتمكن النظام من إسقاط براميل متفجرة وليس براميل غذاء؟
الانحياز للأمة والمقاومة والممانعة تقتضي انحيازا ضد الاستبداد والقمع، وعدم التضحية بأبسط القيم الإنسانية بذريعة وجود مؤامرة خارجية أو ما شابه، فأكثر من يتآمر على النظام السوري هو النظام ذاته بما فعله ويفعله، وأنّ على من يرى مؤامرة خارجية، وقوى طائفية، أن يضع حلاً أيضاً ينهي النظام الذي أوجد البيئة لمثل هذه المؤامرة.