بناء الثقة في سورية – مانيا الخطيب

Article  •  Publié sur Souria Houria le 29 janvier 2016
Photo_Mania ALKHATIB
بناء الثقة في سورية
قدم الشعب السوري في ملحمته الدامية من أجل الكرامة والحرية من تضحيات، ما يكفي لإسقاط مائة ديكتاتور دفعة واحدة.
أولئك الذي قضوا نحبهم في سياسة التجويع الدنيئة في مضايا وغيرها، قدموا أمثولة للعالم أجمع أنهم على أرضهم باقون حتى الرمق الأخير.
لا بد وأن كثيرون منهم كان بامكانهم أن يذهبوا إلى مخيمات العار في لبنان والأردن وتركيا، لكنهم لم يفعلوا، فاضت أرواحهم إلى باريهم وهم في أراضيهم يقاتلون العالم أجمع في تشابكاته السياسية الرهيبة، ليتحولوا إلى أيقونة للرعب والموت، تقض مضاجع العالم المتحضر في عقر دوائر صنع القرار فيه.
كيف يمكن بناء الثقة في سورية، على إيقاع الموت اليومي بكل الطرق والأشكال؟
وكيف للمفاوضات الدولية التي تشكل روسيا جزءً منها وتقول أنها تريد الحل السياسي وآلتها العسكرية تدك حيوات السوريين في تناقض مدو ينضح بالعار؟
وكيف يمكن لشعب خرج من حكم طغمة غدارة، لا عهد لها ولا أمان، أن يتمكن من بناء الثقة بين فئاته.
رغم بشاعة الحاضر وتناقضاته تلك، إلا أن المستقبل يبدو محسوماً كما لم يكن من قبل.
السبب أنه لم تأت بعد لحظة النضوج القصوى التي تجمع السوريين في نواة عمل مشترك متينة لا تخطئ طريقها، مثلاً من أحد مراحل تشكلها هو أن لجنة المفاوضات العليا التي تشكلت في الرياض والتي لا تتجاوز بضع عشرات من السوريين، تقف وحدها أمام ضغوط دولية هائلة، ورغم كل التحفظات على المخاض الذي أنتجها بتشعباته السورية والإقليمية، إلا أن هذا يؤكد أن السوريين يحملون قضية مهما اشتدت العواصف والرياح لا يمكن إجهاضها.
أيضاً مئات المنظمات المدنية السورية التي قالت كلمتها في الوقت المناسب، أثبتت أن هذا الملف مهما بدا اليوم عرضة لمحاولات العبث والتمزيق إلا أنه غير قابل للمساومة من قبل أهل القضية.
ضرب الانسان السوري مثلاً فريداً في الصمود، والتضحية بكل شيء، وقضية كرامته وحريته أصبحت محسومة.
بناء الثقة اليوم هو ببساطة بمقدار، ما يمكن أن يُقدّم من خدمات لتحسين ظروف حياته المنكوبة، وبمقدار ما يتم هكذا عمل بتواضع وروح التعاون والتفاني، وبدون أي استثمارات سياسية، لأن هذا الانسان لا يمكن خداعه بعد اليوم. هذه الآلية العملية في الاقتراب من الناس والتي تدفعهم للاتفاف حول فكرة بناء مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، هي من ستبني -ولو ببطء- عملية بناء الثقة التي تعرضت للتهشيم الممنهج والطويل.
لازال الشباب الذين قاموا بالثورة، ودفعوا أقسى الأثمان من أجلها يتميزون بفرادة عن الرعيل السوري الذي أصابته الشيخوخة في ظل نظام الأسدين وتتميز آليات عمله في كثير من الأحيان بالتطابق مع أسلوب النظام نفسه مع عدم التشكيك بوطنية أي ممن حاول أن يعمل شيء لاسقاط النظام العفن بكل مرتكزاته وأركانه، ولكن بالأسلوب الخطأ.
رغم ما يسبب هذا من احباط آني، إلا أن السوريين اليوم رغم وعورة الطريق يطورون مهاراتهم، وآليات عملهم، وأسلوبهم، ووغربال فرز الكوادر القادرة على صنع هذا التغيير الصادق لا يتوقف عن العمل. 
مانيا الخطيب – هلسنكي 28.1.2016