بيتزا ‘القاعدة’ وفرّامة العرعور – صبحي حديدي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 30 janvier 2012

في صيف 2003 نشرت مجلة ‘نيويوركر’ الأمريكية تقريراً للمحقق الصحافي المعروف سيمور هيرش، سرد تفاصيل التعاون الوثيق بين أجهزة الأمن السورية من جهة، والمخابرات المركزية الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي من جهة أخرى. ولقد أوضح هيرش أنّ الفريق الأمريكي حصل من نظيره السوري على ما يشبه تفويض الـ ‘كارت بلانش’ لدراسة وتدقيق آلاف الملفات الوثائق والمستندات السرية التي تخصّ رجالات منظمة ‘القاعدة’ في ألمانيا بصفة خاصة، وفقاً للمعلومات التي استجمعتها الأجهزة السورية من أنصار ‘القاعدة’ والمتعاطفين معها في مدينة حلب خصيصاً. كذلك أشار التقرير إلى فضل الجانب السوري في إفشال عمليتين ضدّ القوّات الأمريكية: واحدة ضدّ الأسطول الخامس في البحرين، والثانية ضدّ هدف في أوتاوا بكندا
من جانب آخر، استند هيرش إلى معلومات متعددة المصادر، بينها مقابلة مباشرة مع بشار الأسد، ليؤكد بأنّ النظام السوري كان يسعى إلى بناء ‘قناة خلفية’ للحوار مع الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، أو رجالات الصفّ الأوّل في الإدارة، مستغلاً استماتة الأجهزة الأمنية الأمريكية للحصول على معلومات ملموسة عن كوادر وخلايا ‘القاعدة’. وكان هذا الخيار يستجيب أيضاً لـ ‘فلسفة’ الأسد في تدعيم الشطر الاقتصادي من ‘الإصلاح’ الداخلي، الذي ظلّ يمنحه الأولوية على الملفّات الأخرى، السياسية والإدارية والدستورية والحقوقية. وهكذا لم يكن من المدهش، على سبيل المثال، أنه أثار مسألة إصلاح الاقتصاد السوري لدى استقباله ريشارد برنز، مساعد وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، الذي جاء ليتحدّث عن دعم سورية وإيوائها لمنظمات ‘إرهابية’ تضعها واشنطن على لائحة الأهداف المطلوبة في ‘الحرب الأمريكية الشاملة ضدّ الإرهاب’. أكثر من ذلك، نقلت أوساط أمريكية استغراب الأسد لأنّ الأمريكيين متلهفون على معرفة موقف سورية من ‘حزب الله’ و’الجهاد الإسلامي’، ولكنهم لا يكترثون بالإصلاح الاقتصادي في سورية!
وقد لاح آنذاك، وهو أمر بدا منطقياً تماماً، أنّ الأسد يسعى إلى الحصول على ثمن سياسي ـ اقتصادي إذا ما قرّر نظامه الاستجابة للمطالب الأمريكية، والكفّ عن دعم وإيواء المنظمات التي تواصل واشنطن وضعها على لائحة ‘الإرهاب’. والأسد الابن لم يكن يشذّ في هذا عن نهج عريق اعتمده الأسد الأب طيلة سنوات ‘الحركة التصحيحية’، وتمثّل في تحويل السياسة الخارجية (وبين تفاصيلها دعم سورية وإيوائها لمنظمات تسبّب الصداع لحلفاء أمريكا هنا وهناك في المنطقة) إلى عوامل مناورة، وبالتالي عناصر مساومة، تدرّ المال والمساعدات، وتمدّ اقتصاد النهب والفساد، واقتصاد الدولة المتهالك، بأسباب الحياة
اليوم، وعلى نحو متفاوت الوضوح والشدّة منذ انطلاق الانتفاضة السورية في آذار (مارس) الماضي، لا يشذّ الأسد عن النهج الذي حكم سلوك طغاة العرب البائدين، أو الذين ينتظرون: اتهام منظمة ‘القاعدة’ بالوقوف خلف كلّ الشرور، من التظاهر والإضراب والعصيان المدني، إلى التفجيرات والكمائن وتهريب السلاح. وفي رفع هذه الفزاعة لا نعدم صديقاً للنظام غير منتظَر (صحيفة الـ’دايلي تلغراف’ البريطانية، اليمينية، ذات التعاطف العريق مع إسرائيل والصهيونية العالمية) تنقل عن الشيخ عمر بكري إنذاراً بأنّ عمليات ‘القاعدة’ آتية ضدّ النظام (بينها، كما ذكر الشيخ، عملية بيتزا مفخخة ضدّ مجلس الشعب!)
والحال أنّ بكري نفسه كان قد عرض تقديراً منافياً تماماً، نشرته صحيفة ‘كريستشيان ساينس مونيتور’، قبل 14 يوماً من تصريح البيتزا المفخخة، قال فيه بالحرف: ‘إذا شاء السنّة الاستعانة بالقاعدة، فإنّ القاعدة سوف تنتشر في كل مكان من سورية. لكن القاعدة أجرت بحثاً بين السنّة في سورية، فوجدت أنهم ليسوا مؤيدين لانتفاضة تستخدم العنف’. كذلك كان أيمن الظواهري، في شريط يعود إلى شهر تموز (يوليو) الماضي، قد أبدى تعاطفه الشديد مع الانتفاضة السورية، ولكنه أوضح بجلاء أنّ أخوته في ‘القاعدة’ ليسوا متورطين في أي عمليات ضدّ النظام السوري، لأنهم منشغلون تماماً بـ’الحرب المستعرة مع الصليبية المعاصرة’
وفي ترويج المزيد من الأكاذيب حول نفوذ الإسلام المتشدد، قد يتلقى النظام العون من جهة ليست غير منتظَرة فحسب، بل تزعم عداء النظام ومعارضته والحضّ على القتال ضدّه أيضاً، مثل الشيخ الأشهر عدنان العرعور: لقد بدأ بفتوى تحرّم التظاهر، ثمّ انتهى إلى فرّامة لفرم مؤيدي النظام، أو مقصّ لألسنة البعض في المجلس الوطني السوري، أو جهاز لتركيب أذناب بلاستيكية لزعماء العشائر المتقاعسين! صحيح أنّ للشيخ جمهوره الذي يطرب لأسلوبه، وثمة نفر يرفع له الرايات، إلا أنّ العرعور محض صوت منفرد، نشاز في يقيني؛ وليس، البتة، أحد صنّاع الإجماع في الشارع الوطني السوري الأعرض
ثمة، في المقابل، مثال الطبيب السوري المعتقل معد طايع، الذي فقد أطفاله الأربعة دفعة واحدة، ثمّ لحقت بهم أمّهم بعد ساعات، جرّاء سقوط قذيفة على بيت العائلة، في اللاذقية. فإذا لم يكن هذا الرجل هو صانع الإجماع الأمضى في تراث الانتفاضة السورية، وبه تواصل الانتصار على المدفع والدبابة والحوامة والزورق الحربي والقاذفة المقاتلة، وتهزم الواقفين خلف هذه الآلة الجهنمية من ضباط وعناصر أمن وشبيحة ومرتزقة وأفراد ميليشيات طائفية… فبئس بيتزا البكري وفرّامة العرعور، لأنهما طراز من التضليل يخدم أكاذيب النظام، ويُلحق الأذى بأخلاقيات الانتفاضة

القدس العربي – 2012-01-29

http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\29qpt998.htm&arc=data\201211-29\29qpt998.htm