تاريخية الفشل في فيينا – أيمن الصفدي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 3 novembre 2015

تاريخية الفشل في فيينا – أيمن الصفدي

تسابق وزراء خارجية عديد دولٍ شاركت في مؤتمر فيينا حول سورية على تقديمه حدثاً تاريخياً. لكنَّ هؤلاء وغيرهم يعرفون أنَّ « تاريخية » المؤتمر الوحيدة هي اعترافه، شكلاً ومضموناً، أنَّ معاناة السوريين ودمار بلدهم وُلدا من أجندات المصالح والمطامع الدولية والإقليمية.
غاب السوريون عن المؤتمر. مثّلهم فيه رعاة الحرب الأهلية الذين أحالوهم وقوداً لصراعهم، وجعلوا وطنهم ساحةً لاستعراض حقدهم وتوسّعيتهم وأمراضهم بعد أن أسقط حرمته « الرئيس الممانع » نجل « الرئيس الخالد » ليُبقي على لامحدودية قدرته على القمع والقتل.
بيان فيينا مثّل اعترافاً أنّ حرب سورية تُديمها قوىً جلست إلى طاولة المؤتمر. والأسوأ أنّه أظهر أنَّ هذه القوى لم تكتفِ بما دمّرت بعد قرابة خمس سنواتٍ من الصراع وأكثر من ثلاثمائة ألف قتيلٍ سوري، وأنَّ بقية الدول ممّن تُدرك ويلات الاستمرار في هذا الجنون عاجزةٌ عن تغيير مسار الأحداث.
معظم ما توافقت عليه الدول التي اجتمعت في فيينا أول من أمس مبادئُ عامةٌ تصلح لمعالجة أيٍّ من الصراعات التي يشهدها العالم. نظرياً، الأفكار التي طُرحت قادرةٌ بالتأكيد على إنقاذ سورية. لكن المشكلة ليست في آليات الحل. هي في غياب إرادة تطبيقها وفي إبقاء سورية ورقة تفاوضٍ بين الدول المتصارعة فيها، وليس بالمطلق عليها.
روسيا وإيران لم تقدّما أيَّ تنازلاتٍ لأنَّ كلفة الحرب عليهما مقدورٌ عليها. هما تحاربان بالدم السوري، والنظام الذي تدعمان أكثر منهما استهتاراً بمصير شعبه. تركيا وقطر لم تتقبّلا فشل سياساتهما إزاء سورية ويبدو أنّ دمار سورية أهون عليهما من الاعتراف بالفشل. والسعودية تقارب الأزمة بمعادلةِ الحد الأقصى من دون امتلاك أدوات الحسم.
ما يعني إبقاء الحرب مشتعلةً.
فمؤتمر فيينا كلّف الأمم المتحدة إطلاق عمليةٍ سياسيةٍ يقودها السوريون أنفسهم، وبحْث ترتيبات وقف إطلاق نارٍ شاملٍ يستثني « داعش » ومجموعاتٍ أخرى تعتبرها الأمم المتحدة إرهابيةً أو تتوافق الدول المتبنية لبيان فيينا على أنّها كذلك. في هذا التكليف هروب من الاعتراف بالفشل.
الأمم المتحدة لن تُحقق أيَّ اختراقٍ سياسيٍ إذا لم تتوافق الدول المؤثرة على شروطه. والسوريون، نظاماً ومعارضةً، لا يملكون قرارهم. هذا يعني استحالة وجود عمليةٍ سياسيةٍ مجديةٍ خارج آليات التفاوض المباشر بين الدول التي تتحكم بمسار الأزمة.
أمّا التوافق على من هو إرهابيٌ في سورية فمرتبطٌ بالأجندات الدولية والإقليمية. فـ »النصرة » التي تعتبرها الأمم المتحدة عصابةً إرهابيةً حليفٌ لتركيا وقطر. و »أحرار الشام » و »جيش الإسلام » وغيرهما من المجموعات المتقاتلة في سورية إرهابية بكثيرٍ من أفعالها وتوجهاتها لكنّهم معارضةٌ معتدلةٌ بأعين مسانديها الإقليميين. لن تتوافق الدول التي تقود الحرب على من هو إرهابيٌ خارج تسوياتٍ تُحاكي مصالحها.
هذه التسويات، وليس حقّ السوريين في وقف قتلهم، ستكون محور جولات النقاش التي أعلنت دول المؤتمر انها ستُستأنف خلال أسبوعين. إنْ توصلّت الدول الفاعلة في الحرب السورية إلى معادلاتٍ تحمي مصالحها ستبدأ مسيرة الحلِّ في سورية. إنْ فشلت في ذلك سيتفاقم الصراع وسيزداد دماراً ودمويةً.
تلك تسوياتٌ ما تزال بعيدة المنال. والأرجح أنَّ الحرب ستدخل مرحلةً أشدَّ وأقسى مع ازدياد تورّط روسيا في مستنقعها وردّ دول المعسكر المقابل على ذلك بإغراق سورية بالسلاح.
أمّا اعتبار مجرد اللقاء حدثاً تاريخياً فإهانةٌ للشعب السوري. وكأنَّ أحداً لم يتعلم شيئاً من الاحتفال بـ »المصافحات » بين القيادات الفلسطينية والإسرائيلية إنجازاً تاريخياً. فبعد حوالي ثلاثة عقودٍ من ذلك الاحتفال، تكمن « التاريخية » الوحيدة في حجم المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون جرّاء المفهوم الساذج، أو المُتساذج، لمقوّمات الحدث « التاريخي ». الخوف أنَّ القصة ستتكرر مع السوريين، إذ يدفعون ثمن العجز والتكالب واللامبالاة « التاريخية » في التعامل مع أزمتهم.