تَعرّي المرأة كفعل سياسي – جهاد الزين

Article  •  Publié sur Souria Houria le 25 janvier 2012

هل يكون تَعري الشابتين المصرية والايرانية شكلاً من أشكال « العمليات الانتحارية » التي تنبئ ولو بصورة مبكرة جداً عن بدء أفول عصر الصعود الاسلامي الاصولي بعدما بلغ ذروته او هو آخذٌ ببلوغ ذروته في الوصول الى السلطة بعد اندلاع « الربيع العربي »؟

بعد السيدة علياء المهدي المصرية والسيدة الايرانية غولشيفتا فاراهاني هل علينا ان ننتظر مفاجأة تعرٍ جديدة من نوع مثلا اقدام سيدة سعودية او اندونيسية او مغربية على ذلك… فيتواصل بذلك « مسلسل » الصدمات « الآتي » من المجتمعات « الاكثر » محافظة حالياً في العالم المسلم؟…ولا أتردد في وضع كلمة « الأكثر » بين هلالين لأنه من غير الثابت ان هناك مجتمعا مسلما اكثر او أقل تلقياً لموجة المحافظة الاجتماعية التي تسود العالم المسلم في العقود الاخيرة وبصورة خاصة في المدن (وبين المسلمين الذين يعيشون في الغرب أيضا)، لا بل ان معيار قوة هذه الموجة هو تحديدا انتشارها في المدن التي كانت بيئات ليبرالية في الثقافة والسياسة والاجتماع وليس في الارياف المحافظة تقليديا
لكن ما الذي يعطي لـ »حركتي » علياء المهدي و غولشيفتا فاراهاني ميزتهما الخاصتين حتى الآن؟
الجواب العام السريع هو بعدهما السياسي اساسا. فنحن هنا لسنا فقط امام فعل تعرٍ تقوم به سيدتان شاباتان ذكيتان ذواتا جسدين فتيين جميلين، ولسنا فقط امام مجرد فعل شخصي شجاع ايا يكن موقفنا  رافضا لهذا الفعل كاسلوب
… البعد الاحتجاجي للفعل هو الذي يمنحه ميزته. وبما ان الامر في الحالتين يتعلق بموقف فردي متطرف ولكن شجاع ضد تقاليد وضع اجتماعي، الاول في مصر التي تشهد مجددا صعود بل غلبة تيار اصولي على حياتها السياسية، والثانية ايران التي هي تحت سيطرة سياسية لنظام حكم اصولي قوي، يصبح هذا الاحتجاج سياسيا وليس ثقافيا او اجتماعيا فقط
… ولأنه سياسي يأخذ مضمونا « رصينا » اذا جاز التعبير. فما هو ذروة « عدم الرصانة » اي الاباحية الجسدية تُحوِّله الارادة الجادة لكل من هاتين المرأتين الى فعل سياسي اي الى فعل « رصين » من حيث هو اساس لمقاومة خطرة في الصراع السياسي
أنا لا اتردد في اعتبار ما فعلته السيدة علياء المهدي عملا سياسيا من الدرجة الاولى واكتب ذلك بدون اي تحفظ في هذا التوصيف رغم كوني، كالكثيرين، معارضاً لهذا الاسلوب. لكني اسجل توصيف فعل السيدة فاراهاني بتحفظ…. مصدر هذا التحفظ هو انتظار ان يكون تعريها غير خاضع لأي صفقة تجارية مع المجلة الفرنسية التي « رعت » الخبر. اي غير خاضع لأي منفعة مالية تجرده اوتنزع جزءا من قوة التضحية – المجازفة فيه. فالسيدة علياء المهدي تتقدم من حيث قوة المبادرة على نظيرتها الايرانية ليس فقط بالاسبقية وانما الأهم بكونها تعرت مع أنها تعيش في قلب مدينة القاهرة وتحملت كل تبعات الضغوط التي لا تُحتمل بسبب ذلك ومنها ما تعرضت له في ميدان التحرير على يد مستنكرين. اما السيدة فاراهاني فقامت بذلك في باريس وليس في طهران ولا حتى في اي بلد مسلم. لهذا فِعْلُ السيدة المهدي ينم عن شجاعة مطلقة بينما هي شجاعة نسبية في حالة السيدة فاراهاني قياسا بظروف السيدة المصرية
كانت علياء تستحق ان تكون امرأة العام 2011 لأن اختيارها هذه المواجهة القصوى والقَصِية في ظروف مصر هو قضية سياسية من الدرجة الاولى. لقد فعلتها وفات الاوان ان « ننصحها » بألا تفعل! لكن لا شك فإن هذا الاسلوب لا يمكن ان يصنع « تحرر النساء ». والبديل الأكيد هو دعم الحركات السياسية والاجتماعية التي تضع برنامجا متكاملا قانونيا واقتصاديا وسياسيا لتحرر المرأة وليس عبر التعرية التي وان حملت مع الشابتين المهدي وفاراهاني قوة الصدمة المتطرفة والمبالَغ بها ضد التطرف الظلامي الاصولي الا انه  يجب ان لا يغيب عن بالنا ان التعري اصبح في الغرب ظاهرة منتَقدة كعنوان لتحويل المرأة الى مجرد سلعة
لكن علياء المهدي  يمكن ان تكون ايضا « شخصية العام » بلا صفة جندرية محددة كرجل او امرأة لأن القضية التي تطرحها تتجاوز المرأة الى مسألة حرية الرأي ونمط العيش في مواجهة اي محاولة اصولية لمصادرتها وهذا شأن يعني كل المجتمع ويضع حاليا مسألتها (ومسألة « مريدتها » فاراهاني اذا ثبت عدم وجود صفقة مالية؟) في قلب اكبر انقسام سياسي حاليا داخل كل مجتمع مسلم
السؤال الكبير وربما ذو الطابع الثقافي الذي يسمح به « استشعارٌ عن بعد » للحدثين المهدوي والفاراهانوي هو: هل يكون هذا النوع من « البطولة » الفردية شكلا من أشكال « العمليات الانتحارية » التي تنبئ ولو بصورة مبكرة جدا عن بدء أفول عصر الصعود الاصولي بعدما بلغ ذروته او هو آخذٌ ببلوغ ذروته في الوصول الى السلطة بعد اندلاع « الربيع العربي » …الذروة التي لا بد ان يليها بدء التراجع؟
واذا سلّمنا بفكرة اعتبار تعريي المهدي وفاراهاني- وخصوصا المهدي- نوعا من « الانتحار الاجتماعي » لفرد يريد الاحتجاج ضد مصادرته جسدا وفكرا سيكون العالم المسلم قد شهد تباعاً خلال اواخر العام  2010 والعام 2011 وبداية العام 2012 ولاسيما العالم العربي، ولادة نمطين للرفض الفردي جديدين عليه (وليس على مجتمعات أخرى) هما: الانتحار المادي لمحمد بوعزيزي، هذا الانتحار الذي تحول الى الرمز الاكبر ليس للثورة التونسية بل لموجة التغيير العربي بكاملها. و »الانتحار الاجتماعي » لعلياء المهدي الذي مع السابقة الايرانية يكون قد بدأ يطلق موجة في الاحتجاج النسائي القائم على التعري
اميل دوركهايم احد أكبر مؤسسي علم الاجتماع يجزم في كتابه الكلاسيكي الشهير « الانتحار »  تبعا لاحصاءات من المجتمعات الاوروبية في القرن التاسع عشر الذي كان يشارف على نهايته عندما نشر كتابه للمرة الاولى (1897) أن قابلية المرأة للانتحار البيولوجي أقل من قابلية الرجل بحكم « تكوينها المحافظ » ( كذلك قابلية اليهود أقل مقارنةً  بالبروتستانت والكاثوليك، تبعا لدوركهايم). سيمر أكثر من مئة عام لنشهد انه في التعري الاحتجاجي بما هو « انتحار » رمزي أخذت المرأة المسلمة او العربية تكشف عن قابلية أكبر من الرجل لـ « الانتحار الاجتماعي
… المهدي وفاراهاني « انتحاريتان » تضيئان على المستقبل وقد تصبحان عند مؤرخي جيل لاحق علامتين « معزولتين » على بدء مقاومة « فجة » للتيار الاصولي ستؤسِّس لانكفائه؟

■ في بلادنا ليس كل تعرٍ مبرَّرا ليحظى بالثناء حتى في نطاق عمل فني. لقد حضرتُ مساء السبت الماضي على شاشة « آرتي » فيلم « بيروت اوتيل » الذي كانت الرقابة قد منعت عرضه بسبب مشاهد جنسية صريحة او ربما بسبب اشارات سياسية وردت فيه. ووجدتُ ان الفيلم كعمل فني اقل من عادي، قصةً وتصويرا وأداءً، رغم بعض الاداء الناجح فيه كاعادة تقديم اغنيات مصرية ولبنانية مخضرمة. ولم تكن الممثلة الرئيسية أقل جاذبية خلال غنائها من مشاهد الجنس! وهذه الملاحظة ليست بالقطع قبولا بقرار الرقابة بل هي تسجيلٌ لفصلٍ كاملٍ بين نقد مستوى الفيلم المتواضع  وبين الحق بالحرية الفنية. باختصار، كنت اتمنى ان تكون هذه الضجة لفيلم أهم. وكما قلت لصديق على الفايسبوك : مع الأسف لم يستحق حتى اسمه

النهار – 2012-01-24

http://www.annahar.com/article.php?t=makalat&p=10&d=24628