دراسة نشاط الجالية السورية في فرنسا واقترح خطة عمل – صخر عشاوي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 30 octobre 2016
Photo_Sakher Achawi

© Sakher Achawi

دراسة نشاط الجالية السورية في فرنسا واقترح خطة عمل

صخر عشاوي

ما يمكن الإجماع عليه اليوم، أنه أصبح لتاريخ سوريا الحديث حقبتان، الأولى ما قبل عام 1970، ما قبل انقلاب حافظ الأسد، والثانية ما بعد الـ 70 أي فترة تسلط  آل الاسد… ،بالطبع فإن الانعطافة النوعية التي تمثلت في الثورة السورية منذ عام 2011 إلى اليوم، أفرزت واقعاً جديداً وغيرت المعطيات والمفاهيم، وعرت هذه الزمرة الفاشية المتسلطة.

تعامل نظام الأسد مع حركة الملايين من السوريين كان فقط من البوابة الأمنية معتقداً أن الرعب والتنكيل والقتل والتهجير وهدم البيوت، سوف يثني السوريين عن الاستمرار في مطالبهم، وسيعودون لبيت الطاعة الأسدي. واضح أن هذا النظام لم يفهم أن الشعب السوري بكل مكوناته انتفض على الذل والقهر والاستعباد، عاقداً العزم على رفع هذا الظلم  واستعادة الكرامة والحصول على الحرية ولن يعود الى الوراء مهما كان الثمن.

التآمر على الثورة السورية بدأ منذ أيامها الأولى، واستطاع نظام الأسد وحلفائه، نظام بوتين وملالي طهران حرفها من الطابع المدني السلمي، إلى الشكل العسكري الديني، باستعمال كل ما تملكه الأجهزة الأمنية من قدرات دول سخرت لهذا الغرض.

دون العودة للتفاصيل وهي كثيرة، الواقع الحالي الذي يرزح تحته شعبنا خصوصاً في الداخل وفي الشتات أيضاً من القتل والتدمير الممنهج الذي نراه أمام أعيننا يومياً يفرض علينا جميعا نحن السوريين، أن نعيد ترتيب أوضاعنا في الشتات، لنستطيع مد يد العون لأهلنا، عسى أن نساهم في تخفيف المعاناة التي يتحملها الشعب السوري يومياً.

فبالرغم من وجود جالية سورية هامة متعلمة مثقفة، ومرتبطة الجذور بالوطن، إلا أن هذا الكم بقي متناثراً  وفاعليته تبدو محدودة قياساً بإمكانياته. والمطلوب منا، هو العمل على جمع هذا الكم وتأطيره ليتحول من حالة العطالة إلى وضع أكثر حضوراً وتأثيراً، على صعيد الجالية، والوسط الفرنسي، ومعبراً بشكل حقيقي عن الثورة السورية  المدنية السلمية.

صحيح أن هذه المتطلبات بحجمها أصبحت تعجز عنها الدول، وصحيح أيضاً أن المشكلة السورية أخذت بعداً أكبر من طاقة السوريين جميعاً بحيث بدا تأثيرهم بالأحداث يضمحل شيئاً فشيئاً، إلا أن هناك واجباً وبعداً أخلاقيا وإنسانياً، ولنقل حياتياً يفرض علينا نحن السوريين، بذل ما نستطيع من إمكانيات متوفرة خصوصاً في أوربا وأمريكا وكندا و… أكثر بكثير مما نقوم به ونقدمه…

ويبدو أن أهم ما ينقصنا ويعوقنا يأتي من غياب التنظيم لألية العمل.

أين الخلل؟ أسئلة سنطرحها على أنفسنا، ونتحاور حولها علنا نصل إلى الشكل الأمثل لتحركنا..

باستعراض مختصر وسريع للتكوينات السورية على الساحة الفرنسية، والتي تتشابه مع الكثير من الدول في الشتات نجد أن هناك ثلاث مجموعات رئيسية يمكن أن يعرف بها السوريون:

التيار الإسلامي: واضح منذ البداية أن للإسلاميين مسلكاً خاصاً بهم، , وأنهم لم يتفاعلوا بما يكفي مع التكوينات السياسية الأخرى لتجسيد الوحدة الوطنية التي تم التعبير عنها وبشكلها الأسمى في الداخل خصوصاً بالأشهر الأولى لانطلاقة الثورة، ولم تستطع التكوينات السياسية بمجملها أن تكون معبراً وصدى للحراك الجماهيري في الداخل. جهودهم حثيثة وللأسف لإعطاء الثورة الصبغة الدينية، ووجد البعض منهم التشجيع من بعض الدول، ومن أجهزة امنية، من أجل جر الثورة إلى موقع يسهل على نظام الأسد وداعميه الانقضاض عليها، وهذا ما حدث… مساهمتهم ضمن الفعاليات على الساحة الفرنسية شبه معدومة. الباب مفتوح دائماً شريطة أن يكون على أساس ثوابت الثورة ومطالب الشعب السوري ببناء سورية على أساس المواطنة المتساوية، والمساواة التامة ما بين المرأة والرجل، دولة القانون والمؤسسات، ولا أكثرية أو أقلية إلا تحت قبة البرلمان…

التيار المدني الديمقراطي: المؤشرات العامة تدل على أنه الأكثر حضوراً على الساحة الأوربية وخصوصاً على الساحة الفرنسية، على الأقل من حيث العدد. وتتعدد أشكال هذا الحضور بهيئات وبجمعيات وبتنسيقيات والأغلب بأفراد…

هذا التيار لم يستطع إيجاد الشكل الأمثل لعمل منسجم يجمع كل هذه الأطراف، برغم التوافق على الأهداف الأساسية، والنيات الصادقة، لدعم الثورة السورية على كل الصعد.

أسباب عديدة ظهرت كعائق أمام عدة محاولات جرت لإيجاد صيغة تجمع الجهود الصادقة, لكن المبعثرة بسبب عدم وجود تجانس كاف، وغالبا يؤثر على أسلوب العمل، وللأسف الشديد أننا نبحث عن ما يفرقنا، بالرغم من أن ما يجمعنا هو أكثر بكثير… نحن لم نتعلم بعد كيف نختلف، قبل أن نتعلم كيف نتفق، بالرغم من أن الأوضاع في سورية تفرض علينا جميعاً أن  يتجاوز كل منا ذاته، وأن يصب جهده ضمن الجهد العام، حيث أن الاجتهادات الفردية، بالرغم من أهميتها، لا تعطي منفعة أكثر إلا عندما تصب بالجهد الجماعي.

التيار المستقل كلياً: ويمثل الكتلة الأكثر عدداً، وحضوره كان الأهم في بداية الثورة، حيث دب الحماس لدى الكثير من السوريين، ولاحظنا أن الدائرة تتسع أكثر بمد جديد، إلا أن القليل من هذا التيار استمر بنفس الاندفاع، حيث كان الاعتقاد السائد أن نظام الأسد أصبح من الماضي، لكن مع إطالة الوقت تولد شعور باليأس، والإحباط من التخلي عن الشعب السوري كما تولد اعتقاد لدى البعض أن هذا النوع من العمل عديم الجدوى، وأصبح تلمس مخرج الأزمة أكثر ضبابية، وغير واضح المعالم.

بدأت خطوات التراجع لدى لكثيرين بسبب هذه الضبابية المهيمنة على العقول وأيضا بسبب أن الكثير لم يسبق له أن احتك بعالم السياسة، وبالتالي أصبحت القناعات هلامية، وعاد الخوف من جديد خصوصاً بعد التدخل الروسي، واستعادة نظام الأسد لبعض المواقع التي خسرها سابقاً،  من أن بشار الأسد سيستعيد سلطته على سورية.

ليس من شك في أن الكثير من هذه الكتلة الصامتة يميل ضمنياً إلى الثورة، بالرغم من الحياد الظاهر، لكنه لا يستطيع التعبير عن عواطفه، ربما بسبب الخوف على النفس والأهل والمصالح، فليس للجميع نفس الاستعداد للتضحية.

هناك نقطة جوهرية يجب التوقف عندها، وهي أن النظام وحلفائه استطاعوا إقصاء الشعب السوري الثائر، بتحويل المعركة إلى مواجهة بين نظام الأسد وتنظيمات متطرفة، وهذه هي إحدى النقاط الرئيسية الهامة التي استعملها الأسد وحلفاؤه.

ما هي الأسباب التي أعاقت وتعيق عمل الجالية على حجم المعضلة السورية؟ .

هناك حقيقة بارزة هي أن إمكانياتنا أكبر بكثير مما نقوم به، نحن أصحاب الحق المعتدى عليهم، فأين النقص؟…

مما لاشك فيه أن القضية السورية أخذت بعداً دولياً لم تأخذه قضية أخرى منذ الحرب العالمية الثانية، حيث أصبحنا نتحدث عن تغير العالم بسبب الوضع السوري. ربما لم نكن جاهزين لمواجهة هكذا حدث وبهذه التفرعات. كما أننا لم نقدر جيداً حجم الدعم الذي يقدم لنظام الأسد والدفاع الهائل عنه من أجل مصالح ذاتية… وهذا ما أعاق عملية التغيير لأنها لا تصب بمصالح الكثير من الأطراف، حتى التي تعتبر نفسها صديقة. لم نقدر جيداً قدرة هذه العصابة على التماسك واستعدادها لهدم سوريا من أجل البقاء في السلطة والمحافظة على مصالحها – الأسد أو نحرق البلد- انقسام الجالية السورية التي تنشط إلى أكثرية مطلقة ضد نظام الأسد، وأقلية منتفعة مازالت تدافع عنه متلقية كل الدعم، وملايين تصرف على الهيئات الاستشارية لتلميع صورة الأسد والإساءة للثورة, وخلق لتنظيمات دينية متطرفة بذرت الرعب في شوارع أوربا وجعلت من مهمة الدفاع عن الثورة السورية مهمة شبه مستحيلة، الى درجة أن مؤسسات إعلامية تطوعت للدفاع عن النظام الأسدي. مهما دمر وقتل من السوريين، لأن الانسان أصبح بدون قيمة لدى الكثيرين, هذا بالرغم من كل الصور الحية المنقولة التي تفقأ العيون والعقول. ولا يحن القلب لطفل بنظرة عمران الذي يمسح الدم عن عينه أو جسد ايلان الذي أعاده البحر بهدوء على الشاطئ الرملي.

بالرغم من كل ذلك هل أعطانا كل ذلك درس , هل استطعنا تنظيم عملنا بطريقة فاعلة، النتائج تقول لا. نختلف وبشكل جدي على مكان اعتصام!؟.مثل بسيط. يلزمنا وقفة مع الذات وإعادة دراسة الأمور بشكل مختلف علنا نهتدي لمواطن الضعف. يلزمنا قرار جماعي. القرارات غالباً ما تكون فردية. يلزمنا توزيع الأدوار والمهام، كل حسب استطاعته ومقدرته على العطاء، مطلوب أن نعطي القليل من وقتنا، ليس فقط القليل من الفراغ. يلزمنا تواصل أكبر ومنظم مع هيئات المجتمع المدني والأحزاب على الساحة الفرنسية، حتى لو كان موقفها مختلفاً عنا، مطلوب منا شرح الحقائق أكثر.

التواجد الهام للمعارضة السورية على الساحة الفرنسية وتحديداً الساحة الباريسية، جعلها مركز الاستقطاب الأول في أوربا. التحرك هنا سيكون له انعكاساته الإيجابية على الساحات الأخرى. إذاً مطلوب منا تفعيل ساحة المعارضة في فرنسا. السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف نبدأ.

بالعمل على إيجاد مؤسسات تستوعب الجميع، يقوم على عاتقها إيجاد الشكل التنظيمي الأنسب.

استناداً للتجارب التي مررنا بها يمكن طرح تشكيل مؤسسة تكون مهمتها الأولى جمع شمل المعارضة السورية على هذه الساحة، وبكل تكويناتها من الجمعيات والتنظيمات والتنسيقيات التي تشكل كتلاً كثيرة متناثرة، والأهم الأفراد الذين بقوا خارج هذه الدوائر، بدعوتهم لأن يكونوا مساهمين بهذه المبادرة… هناك الآلاف من الصادقين وعلينا إيجاد الأسلوب الفعال للوصول إليهم وحثهم على المشاركة ما استطاعوا… كل الجهود الخيرة مرحب بها. ومهم جداً أن تكون هذه المؤسسة خارج كل الانتماءات السياسية والحزبية والتنظيمية.

بلدنا يمر بمرحلة مفصلية من حياته. هناك استهداف واضح لسورية، بشراً وشجراً وحجراً… ويزداد التكالب من أطراف عديدة فاعلة ,من أجل إنهاء سورية ككيان.

بالرغم من كل ما حدث ويحدث، أثبت الشعب السوري بكل مكوناته أنه ضد كل أشكال التقسم التي يحاولون فرضها عليه كأمر واقع. أمام كل هذا، مطلوب منا جميعاً تجاوز وضع العطالة، وإثبات أننا قادرون على إنجاز المهمة الأساسية وهي استعادة سورية.

ما هو مطلوب على الصعيد العملي، هو تجميع السوريين ضمن إطار يمكن أن نسميه البيت السوري في فرنسا، يعمل كوعاء يضم ويطلق مبادرات جميع السوريين ممن تبنوا فكرة سورية الموحدة، الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة المتساوية، دولة القانون والمؤسسات، التي تطبق الشرائع الدولية لحقوق الانسان.

إن التعددية التي تنفرد بها سورية، هي مصدر قوة وليس ضعفاً… وهذا ما أثبت على مر آلاف السنين.

من المهم في تأسيس هذا البيت أن يكون مبنياً على أساس اجتماعي، ثقافي وسياسي،  يعمل على خلق علاقات بشكل مختلف، ويقوم على مبادئ احترام الاختلاف, لا على أساس الأبيض والأسود. لسنا على خطأ، ولا نبحث عن منافع شخصية، كل ما نريده هو مساعدة الشعبالسوري المظلوم. وكل من لديه رغبة بالمساهمة، مرحب به. ان ظواهر التطرف المرضية التي ابتلينا بها في الداخل السوري، والتي جعلت الكثير يتراجع خطوة الى الوراء، حتى لبعض من كان في صف المعارضة، مطلوب منا أن نعيد التواصل معه لتبديد هذه المخاوف، إفهامه أن لدينا هدفاً مشتركاً، وأن من مصلحتنا جميعا ومن أجل الوطن الذي نحب، أن نعمل بشكل مشترك على أساس الثوابت التي نطمح جميعا لتحقيقها…

وكمقترح، يمكننا لتأسيس هذا البيت السوري أن نعين له في بداية الامر، لجنة مؤقتة، تتواصل مع كل المكونات من أجل لقاء قريب، وتقوم بالترتيبات الأولية لجلسة موسعة ينتخب فيها مجلس إدارة، يتفرع عنه لجان إعلامية، إغاثية، تنظيمية، فنية، ولجان تعنى بشؤون اللاجئين… ويمكن لهذه اللجنة أن تبدأ عملها بلقاء اجتماعي عام للجالية، يفتح صفحة جديدة، يتم العمل من خلالها على توفير أجواء ألفة ومودة وتضامن، وسيكون هذا بغاية الأهمية، لأنه ومن دون شك سيترك آثاراً إيجابية وسيعزز العلاقات الاجتماعية،  ونأمل أن يلعب الدور ككرة الثلج باستقطاب الكثير من الأشخاص الذين يبحثون عن أجواء اجتماعية سورية أصبح الجميع بحاجة نفسية ومعنوية ماسة لها.

نأمل بإيجاد مثل يحتذى، يوقف هذا الانحدار وتمزيق النسيج الاجتماعي السوري الذي عمل عليه النظام الأسدي وبشكل ممنهج منذ أكثر من أربعة عقود. المهمة ليست سياسية فقط، ويجب أن لا يغيب الجانب الاجتماعي الذي سيخلق هذا التلاحم، ويساعد على تعزيز العمل السياسي، ما بين السوريين أولاً، ومع المحيط الفرنسي أيضاً.

لا أحد يستطيع التنبؤ بالتطورات القريبة للوضع السوري لأننا دخلنا بشكل كامل ضمن لعبة الأمم، ولم يعد للزمن حساب، بالرغم أنه لم يعد للوقت وقت. من الواضح أن إدارة أوباما سيئة الصيت والفعل قد رحلت الملف السوري للإدارة الأمريكية القادمة وهذا ما لا تتمناه موسكو، على ما يبدو، وبالتالي قرر بوتين فرض حل على الأرض وبالسرعة الممكنة لخلق متغيرات جوهرية يصعب العودة عنها مستقبلاً. أهم ما يبحثون عنه هو كسر إرادة السوريينولكن سؤال يطرح، هل دخلت روسيا بمأزق في سوريا، وبالتالي تستعمل سياسة الهروب إلى الأمام . هذا الأسلوب الهمجي بالتدمير والقتل الجماعي لشعب , لن يسهل لروسيا الوصول الى أهدافها بمطالبها الدولية، بل على العكس من ذلك ازدادت عزلتها الدولية شعبياً ورسمياً، وازداد الحذر من بوتين، الذي كشف عن وجه فاشي إجرامي. روسيا تريد تحقيق انتصار سريع بأي ثمن، يثبت قدرتها على النجاح والفوز أمام المشهد السياسي العالمي، وبوتين يعمل على إعادة أمجاد روسيا على حساب الدم السوري، وخسارة بشار الأسد سيعتبرها هزيمة له.

كل ذلك لنقول أن أمامنا مشوار ليس بالقصير ولا بالسهل، ولكن لا حل لنا إلا بالصبر والبقاء والمواجهة، من أجل استعادة سورية من القوى الهمجية.

لقد أثبت شعبنا السوري بعناده وتضحياته ومواجهته للمجازر التي لم يمر بها شعب، , أنه عاقد العزم على تحقيق أمانيه بالحرية والكرامة. وبناء دولة المواطنة لكل السوريين.

2016 باريس 9 أكتوبر

صخر عشاوي