ركوب إسرائيل على موجة « داعش » – برهوم جرايسي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 17 septembre 2014

وجدت إسرائيل في الآونة الأخيرة « ملفا » جديدا تقفز عليه، وتتخذه ذريعة جديدة لها، لاستبعاد ملف الصراع الشرق الأوسطي الأساسي؛ القضية الفلسطينية، عن رأس اهتمامات الحلبة الدولية، وهو قضية تنظيم « داعش » وأشباهه، بعد أن فلت من أيديها في السنة الأخيرة ما جعلت منه « ملفا »، أي المشروع النووي الإيراني. كما أن إسرائيل تحاول استعادة ما اتبعته بعد تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) 2001؛ بربط هذه التنظيمات الأصولية المسلحة بفصائل فلسطينية أو تشبيهها بها، من باب ردع قوى عالمية عن الضغط على إسرائيل للتقدم نحو حل جذري للصراع، ترفضه حكومة بنيامين نتنياهو مطلقا.
وقد بادر نتنياهو، الأسبوع الماضي، إلى عقد جلسة أمنية، بمشاركة وزراء ورؤساء أجهزة استخباراتية، لبحث ما سماه « احتمالات تغلغل تنظيم داعش » بين فلسطينيي 48. وسبق الاجتماع بيانات إعلامية حول قرار عقد الاجتماع وما سيدور فيه مسبقا، وهو أمر غير مألوف في « قضايا أمنية حساسة »، إلا أن الرسالة التي أراد نتنياهو بثها من هذا التسويق الإعلامي لذلك الاجتماع، هو الادعاء بأن « إسرائيل ليست بعيدة عن تهديد داعش والحركات المماثلة ». هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، بث موجة تحريض جديدة مبطنة في الشارع الإسرائيلي ضد فلسطينيي 48، عبر استغلال انزلاق نفر ضئيل جدا من الشبان العرب نحو محاولة الوصول إلى تلك التنظيمات في سورية وحتى العراق، خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
كذلك، فإن نتنياهو ووزراء الصف الأول في حكومته، سعوا في الأسابيع الأخيرة إلى تشبيه فصائل فلسطينية بتنظيم « داعش ». وهذا تشبيه لا يستهدف « حماس » وحدها رغم تسميتها، بل يستهدف الشعب الفلسطيني برمته، لأنه يبث رسالة مبطنة إلى العالم، مفادها أن لدى هذا الشعب قابلية لاستيعاب تنظيمات مثل « داعش » وغيره، وبما يعني محاولة ردع الرأي العام العالمي عن مساندة القضية الفلسطينية.
وهذا النموذج بالذات رأيناه قبل 13 عاما، في أعقاب تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر)؛ حينما كثّف قادة إسرائيل، وأولهم أرييل شارون، خطابهم الذي يربط بين تلك التفجيرات ونضال الشعب الفلسطيني في أوج « الانتفاضة الثانية » ضد الاحتلال، وبشكل خاص استغلال العمليات التفجيرية التي كانت تقع في المدن الإسرائيلية. وبالإمكان القول إن هذا الخطاب ساهم حينها في ضعف المؤازرة الشعبية العالمية للانتفاضة الثانية، وحملات التضامن العالمية، في الوقت الذي كان الهلع كبيرا في العالم جراء تلك التفجيرات في الولايات المتحدة.
تجد حكومة نتنياهو نفسها، في الآونة الأخيرة، وقد خسرت محاولتها فرض ما يسمى « الملف الإيراني » على رأس الاهتمامات الدولية، واستبعاد القضية الفلسطينية، بادعاء أن هذا الملف هو « الخطر الأكبر على العالم ». وهي ما تزال تحاول استعادة هذا الملف، وتسعى بكل السبل إلى التأثير على سير المفاوضات بين دول مركزية في العالم وبين إيران. لكن إلى حين استعادة « الملف الإيراني »، ها هي إسرائيل تجد « ملفا جديدا » تنسب إليه الصياغات ذاتها: « داعش والحركات الأصولية المسلحة هي الخطر الأكبر على العالم »، « كيف يمكن لإسرائيل أن تتقدم نحو حل الصراع، وهي ترى مثل داعش قريبة منها؟ ».. وغيرها من صياغات.
من الواضح أنه في ظل موازين القوى العالمية القائمة اليوم، تشعر إسرائيل أنها أقوى من أي ضغوط دولية تمارس عليها، خاصة وهي تتلقى الدعم المطلق في القضايا الجوهرية من الإدارة الأميركية. وحينما تسعى إلى استبعاد القضية الفلسطينية عن رأس اهتمامات الحلبة الدولية، فإن هذا ليس فقط من أجل استبعاد أي ضغوط عليها للتقدم نحو الحل، بل هو أيضا محاولة لاقناع الرأي العام العالمي بأن الصراع الشرق أوسطي لم يعد قضية الشعب الفلسطيني ودولته، بل تنامي تلك الحركات الأصولية المتطرفة المسلحة « والخطر الذي تشكله على العالم ».
وكما كانت إسرائيل بحاجة إلى مثل هذا الخطاب في سنوات الألفين الأولى خلال « الانتفاضة الثانية »، فإنها تجد نفسها اليوم بحاجة إلى الخطاب ذاته، بعد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها في قطاع غزة.