سمير قصير والربيع الذي لم يأتِ – أيمن الصفدي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 1 juin 2015

سمير قصير والربيع الذي لم يأتِ – أيمن الصفدي

Ayman Safadi

Ayman Safadi

جاء الخبر رسالةً نصيةً صباح الثاني من حزيران من العام 2005. سمير قصير يذهب ضحية تفجيرٍ إرهابيٍ جبانٍ لسيارته أمام منزله وجيزيل خوري في أشرفية بيروت
قتلتُهُ هم نفسهم من وأدوا الربيع الدمشقي الذي كان نظّر له حتميةً تاريخيةً تكسِر عتمةَ القمع والاستبداد. الذين ردّوا على فكر صاحب « تاريخ بيروت » و « عسكر على مين » بمفخخةٍ قذرةٍ هم ذاتهم الذين استقبلوا نداءات الحرية في درعا بالرصاص، ليغرقوا سورية في غياهب الفوضى والموت والإرهاب
حَلِمَ سمير قصير بربيعٍ دمشقيٍ يُثمّر حريةً وفكراً مستنيراً في سورية، فيمتدُّ إلى لبنان استقلالاً وتحرراً من عقود القهر. لكن لا مكان لمن روحُه الظلمةُ في هذا الربيع. لذلك لم يحتمل النظام السوري الأمل به. كسَر قلمَ سمير. وسجن دعاة حرية ربيع دمشق الأول. ظنّ أنّ قمعه يمتلك قدرةَ الخلود
إلى أن هبّ ربيع سورية الثاني
حينذاك أثبت النظام البعثي أنّ سمير وزملاءه من ربيعيي دمشق أخطأوا إذ أَمِلوا أنّ البعث قادرٌ على التغيير. فهو قام على القمع. عقائديته إلغائيةٌ إقصائيةٌ بطبعها. القتل لغته. الاستنارة نقيضه. الجهل بيئته. إمّا سورية خاضعةٌ تؤلّهه. وإمّا موتٌ لسورية الوطن والمواطن
لذلك دمّر النظام الأسدي سورية حين أيقن أنّ بقاءه مُحال. قتل الأطفال والشيوخ. وأحال سورية أرضاّ يباباّ جاذبةً لقوى الإرهاب الداعشية والنُصروية. لا ربيع معه. ولا ربيع من دونه
يُحيي أصدقاء سمير ذكرى رحيله العاشرة بعد أيامٍ قُرب شجرةٍ بيروتيةٍ تُظلّل رصيفاً تحت « نهاره ». سيتذكّرون ما عاش من أجله، وما مات من أجله. وسيقفون بمواجهة حقيقة أنّ شيئاً من حلمه لم يتحقق
بيروت ما تزال أسيرةَ الانقسام والسطوة. خرج منها عساكر البعث. لكنها تمتلئ بضحاياهم. بريقُ تعدّديتها الثقافية السياسية الفكرية ينطفئ. راهنها يسكنه القلق. ومستقبلها حدوده الخوف
« سورية الأسد » تنتهي. لكنّ محلها تتمكّن « سورية داعش » و »سورية النصرة ». يخرج الشعب السوري من قهر الأسد ليجد نفسه إما في مخيمات اللجوء أو تحت ظلامية الإرهاب. لا بديل إنسانياً مستنيراَ للأسد حتى اللحظة. الأرض التي يُطرد منها يحتلها الدواعش ونُصرويو أبو محمد الجولاني وظلاميتهم، التي لا يمكن، رغم محاولات البعض، اخفاؤها أو تجميلها
مُعظم عالم العرب يغرق في جهلٍ أعمق. لبنان على علاّته وانقساماته صار أفضل من كثيرٍ غيره. العراق سلّمته الإقصائية المذهبية للإرهاب يفكفك هويته هويات. ليبيا تعود إلى ما قبل التاريخ. واليمن يقاوم سطوةَ فارس وثقل الجهل
امتلك سمير فائضاً من الأمل دفع ثمنه حياته. لكن ليس لأحدٍ أن يحكم على سذاجة أحلامه. مثله أَمِل أطفال درعا وشباب حمص وإدلب. كلّهم قضوا قبل أن تموت أحلامهم. وربما في هذا عزاؤهم وعزاء من يفتقدونهم
فالأمل هو الذي تفجّر عملاً سيُنهي بطش الأسد. وهو الذي سيُنهي، ولو بعد حينٍ وتضحيات، بطش داعش والنصرة وسيُسكت أبواقها
وربّما، في الذكرى الخمسين أو المئة لرحيل سمير، يكون الاحتفال حول ياسمينةٍ دمشقيةٍ تفيحُ بعبق ربيعٍ عربيٍ حقيقيٍ لا مكان فيه لاستبداد البعث، أو لعدمية داعش

http://alghad.com/articles/873443