عن المقدّس والمُدنس! – محمد أبو رمان

Article  •  Publié sur Souria Houria le 9 octobre 2015

عن المقدّس والمُدنس! – محمد أبو رمان

باركت الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا الغارات التي تشنّها الطائرات الحربية الروسية في سورية، واعتبرتها جزءاً من حربٍ مقدّسة ضد الإرهاب.
المفارقة أنّ هذا « البيان الديني » تزامن مع بيانٍ دينيّ آخر صادر عن أكثر من خمسين من علماء الدين في السعودية، يعتبر التدخّل الروسي احتلالاً، ويدعو إلى رصّ صفوف الثوّار في سورية والجهاد ضده!
التدخّل الروسي العسكري في سورية هو، بالضرورة، بمثابة « نقطة تحول » كبيرة في الصراع الداخلي هناك، بل وفي الحرب الدولية والإقليمية التي تدور بالوكالة عن الأطراف الخارجية المختلفة. ومن الواضح أنّ الروس يريدون تغيير قواعد اللعبة بالكلية عبر خطوات متوازية؛ تبدأ بإنقاذ الأسد، مروراً بإعادة هيكلة موازين القوى، وصولاً إلى فرض شروط الطرف الأقوى (بعد هذه التغييرات؛ أي هم والأسد) على الطاولة!
المرحلة الحالية التي تشهد ما يسمّى « معركة حماة البرية »، بغطاء جوي روسي، تهدف إلى إعادة تأمين مناطق الساحل السوري، والانتقال منها إلى المناطق المجاورة، أو القيام بعملية تطهير كامل ما بين دمشق والساحل من جهة، وإلغاء المشروع التركي بإقامة منطقة آمنة في الشمال السوري، عبر حركة الطيران الروسي على الحدود التركية بما تحمله من رسائل سياسية.
الطريف في الأمر، وربما أسوأ ما في تداعيات التدخّل الروسي، أنّ هذا التدخل سيغير بالفعل قواعد اللعبة هناك، لكن ليس تماماً كما يطمح الروس، بل على النقيض من ذلك. فالفتاوى المذكورة للعلماء السعوديين، مع فتاوى أو مواقف شبيهة خرجت عن حركات إسلامية أخرى، تذهب بنا بعيداً إلى تغليف ما يحدث بالصبغة الدينية والطائفية تماماً، وتغيير مواقف القوى الإقليمية مرّة أخرى لاستدراج الروس لمعركة طويلة المدى، أو مستنقع كبير يستنزفهم، عبر إعادة فتح القنوات والأبواب أمام الشباب الراغب في قتال الروس، بل واستهداف مصالحهم في مناطق عديدة من العالم، إن لم يكن في روسيا نفسها.
ما يزيد حجم المفارقات الكبيرة في معضلة التدخل الروسي، هو أنّ الهدف المعلن منه يتمثل في القضاء على تنظيم « داعش »، لكن الحقيقة أنه حتى لو كانت الضربات العسكرية ناجعة ومؤثرة، فإنّ هذا التدخل بحدّ ذاته سيمنح التنظيم قدرة كبيرة على التجنيد والدعاية، وتقديم نفسه بوصفه قائد جبهة مقاومة التدخل الروسي-الإيراني، وحامي السُنّة في كل من العراق وسورية، بخاصة مع التحولات الجارية في المواقف الدولية، وتحديداً الأميركية والغربية.
وبالرغم من أنّ السعودية والأميركيين والأوروبيين لن يفكّروا في إعادة تجربة « القتال الأفغاني » في مواجهة الروس (كما فعلوا مع الاتحاد السوفيتي)، إلا أنّهم لن يساعدوا الروس على تحقيق إنجاز استراتيجي وعسكري في سورية، بخاصة أنّ الأهداف الروسية الحقيقية، كما يدرك الغرب، تتجاوز مواجهة « داعش » إلى تعزيز وجودهم في المنطقة والقضاء على خصوم الأسد أو المعارضة المسلحة، من دون تمييز بين الجيش الحرّ أو الأطراف المعتدلة والمتطرفة، وهو الأمر الواضح تماماً من طبيعة الغارات الجوية الروسية، والتركيز على المناطق التي تقع تحت سيطرة قوى المعارضة الأخرى لاستعادتها منهم!
الصراع في سورية، أو بعبارةٍ أدق « عليها »، دخل مرحلة جديدة بالكلية، أكثر تعقيداً وتشعّباً، وضعُفت كثيراً فرص الحل السياسي أو الحسم العسكري. وإذا كان التدخل الروسي سيعيد، على المدى القصير، قدراً من التوازن والمبادرة لنظام الأسد، إلاّ أنّه على المديين المتوسط والبعيد يذهب بنا نحو تجذير الطبيعة الدينية والطائفية، وتعزيز خطاب « داعش »، وخلق الشروط المناسبة أكثر لجرثومة الصراع الخطر في سورية، بل ونقلها إلى مناطق أخرى من العالم!

http://www.alghad.com/articles/897009-