لغز « داعش » والغرب – منار الرشواني

Article  •  Publié sur Souria Houria le 16 septembre 2014

فيما كانت التصريحات تصدر عن لندن متضاربة بشأن المشاركة العسكرية المباشرة في التحالف الدولي ضد تنظيم « الدولة الإسلامية » (داعش) في العراق وسورية، أقدم التنظيم على قطع رأس عامل الإغاثة البريطاني ديفد هينز أول من أمس؛ لكأنه يطالب حكومة ديفيد كاميرون بحسم أمرها، بغطاء شعبي مؤكد، باتجاه المشاركة الكاملة والفاعلة في التحالف!
وتكاد تصبح نمطاً مثل هذه التصرفات التي يفترض أن تكون مخالفة للمنطق، عبر ما يظهر من رغبة لدى « داعش » لتكثير أعدائه وتوحيدهم ضده، منذ اتجاهه نحو كردستان مبرراً تدخلاً عسكرياً أميركيا، تقره إيران، مثلاً، وتدعمه ضمناً إن لم يكن صراحة، بل ولا تعترض على عمليات عسكرية أميركية مشابهة في سورية إلا لأنها لا تقوم على إعادة تأهيل نظام بشار الأسد، والذي لا يمل بدوره من تقديم أوراق اعتماده للانضمام للتحالف الغربي الإقليمي.
طبعاً، سيبدو مغرياً هنا لأنصار نظرية المؤامرة والمالكي والأسد، اتخاذ تصرفات « داعش » دليلا قاطعا على كون التنظيم صنيعة غربية صهيونية، بحيث يسمح للولايات المتحدة والغرب عموماً بالعودة إلى المنطقة، بل وبدعوة من أهلها هذه المرة، وتقسيمها أكثر على أسس دينية ومذهبية، تجعل من إسرائيل، الدولة اليهودية، بمثابة النموذج الرائد، بدلاً من أن تكون، حتى وقت قريب، الاستثناء إقليمياً ودولياً على حد سواء.
لكن إذا كان الأمر كذلك، فلماذا إذن تتوق إيران، مباشرة أو بشكل غير مباشر غالباً، من خلال حلفائها في العراق ونظام الأسد في سورية، إلى الانضمام إلى تحالف « الشيطان الأكبر » التآمري على المنطقة؟ أليس معنى هذا التوق الإيراني أن كل محور « المقاومة والممانعة » متآمر مع أميركا؛ لا فقط بسبب الرغبة في التحالف اليوم مع الغرب ضد « داعش »، بل كذلك عبر السماح بتضخم التنظيم في العراق بفضل رجل إيران نوري المالكي، وفي سورية التي ما تحرك حليف طهران، نظام الأسد، ضد « داعش » هناك إلا لإظهار أهليته للانضمام للتحالف الأميركي؟!
الخيار الآخر، الأكثر منطقية وخطورة، هو أن « داعش » يحشد أعداءه ضمن رؤية استراتيجية تضمن له، ونقيضاً للانطباع الأول، البقاء والاستمرار وحتى التجدد. باختصار، ماذا يريد التنظيم أكثر من تصويره مقاتلاً للغرب الإمبريالي الذي يسعى إلى كل ما يضر بالمنطقة والمسلمين عموماً، بشهادة حتى الحلفاء الجدد لأميركا؛ إيران وبقية أعضاء محور « المقاومة والممانعة »، قبل سواهم؟ أوليس بهذه الذريعة يتم تبرير الاستبداد العربي الذي استباح كرامة الإنسان، وأهدر مستقبله كما حاضره؟ وعلى مستوى محلي، فإذا كان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد تنبه ربما إلى أن قتل المدنيين عمداً أو خطأ تحت شعار استئصال « داعش » إنما يساعد التنظيم في المحصلة النهائية؛ فإن استهداف المدنيين السوريين، في المقابل، من قبل نظام الأسد بذريعة مواجهة « داعش » (أخيراً)، يكاد يكون أفضل هدية تُقدم للتنظيم؛ على مستوى الشرعية كونه صار يقاتل ضد الاستبداد، كما على مستوى إمداده بمزيد من الرجال والأنصار الذين يرونه في أسوأ الظروف أفضل أبشع الخيارات، طالما أن ذاك النظام لا يقدم للسوريين منذ عقود إلا الموت، بأبشع صوره ومن دون توثيق.
الخشية أن يكون صحيحاً ما حذر منه الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية بنيويورك، ليزلي غيلب، في مقال في الـ »ديلي بيست » الشهر الماضي؛ وهو أن يكون « داعش » الوحيد فقط الذي يدرك ما يجري في المنطقة، بل وأن يملك استراتيجية في مواجهة ذلك!