مصادر سورية تتفق على وجود علاقة وثيقة بين الشبيحة والسلطة

Article  •  Publié sur Souria Houria le 28 janvier 2012

لندن: نادية التركي بيروت: يوسف دياب واشنطن: محمد علي صالح

منذ انطلاق الشرارة الأولى للانتفاضة الشعبية في سوريا، طفت على سطح الأحداث اليومية ظاهرة الشبيحة، حتى باتت في غالب الأحيان هي الحدث اليومي، وإذا كان للبلطجية في مصر والمرتزقة الذي أطلق عليهم لاحقا اسم «أصحاب الفيل» في ليبيا دور محدود في قمع الحركات الشعبية، فإن ما نسبه ثوار سوريا إلى الشبيحة في سوريا فاق كل التوقعات، واتفقت جهات مختلفة اتصلت بها «الشرق الأوسط» لسؤالهم عن الشبيحة على وجود علاقة وثيقة بين الشبيحة ومسؤولين في السلطة

كما تحدثت مصادر لـ«الشرق الأوسط» عن أن من يدير الشبيحة هو شقيق لأحد السفراء السوريين في الخارج

وقال عبيدة فارس عضو المجلس الوطني السوري وهو أهم كيان يمثل المعارضة السورية لـ«الشرق الأوسط» إن الشبيحة هم في معظمهم مرتزقة مدفوعو الأجر، يقومون بأعمال القتل مقابل أجور يومية في معظم الأحيان، بينما يتقاضى آخرون، وخاصة رؤساء المجموعات، منهم رواتب شهرية

وأكد فارس في رسالة وجهها لـ«الشرق الأوسط» عبر البريد الإلكتروني أن الثوار قد تمكنوا من «اختراق مجموعات الشبيحة، وتم تصوير عدد من الانتهاكات من داخل هذه المجموعات، ومن خلالها معرفة أسماء رجال الأعمال الذين يدفعون لهم، وطبيعة المهام الموكلة إليهم، لكي يتم أخذ الحيطة من قبل الثوار»

وأضاف فارس أن «الشبيحة قد يشاركون في أعمال القمع في مدنهم ذاتها، وحتى في أحيائهم، كما يتم ذلك ف حلب على سبيل المثال، حيث يموّل أربعة من رجال الأعمال وشيوخ العشائر، معظم عصابات الشبيحة التي تقوم بأعمال التشبيح بشكل معلن، حيث يوجد الممول أو وكلاؤه أحيانا داخل المسجد ليعطوا الأوامر مباشرة للشبيحة لقمع المظاهرات حتى قبل انطلاقها، مستخدمين السكاكين الطويلة وحتى السيوف». بينما يتم نقل مجموعات من الشبيحة إلى مدن أخرى لمساعدة رجال الأمن. حيث يدفع لهم مبالغ إضافية لقاء ذلك

وأضاف «تتشكل معظم مجموعات المرتزقة من أصحاب سوابق تم الإفراج عنهم في العفو الرئاسي الشهير قبل نحو 8 أشهر، وتم تجميعهم من قبل بعض رجال الأعمال الموالين للنظام، حيث يتولى بعض هؤلاء الإنفاق مباشرة على مجموعاتهم من الشبيحة، كما أن بعض مجموعات الشبيحة تتبع لشخصيات من داخل النظام، قامت بتشكيل هذه الفرق، وتضعها تحت تصرف أجهزة الأمن. ويبلغ الأجر اليومي للشبيح ما بين 500 ليرة وعدة آلاف، حسب المنطقة التي يخدم فيها والمهام التي يقوم بها. ويتم تعبئة الشبيحة معنويا، بحيث يقومون بتنفيذ المهام الموكلة لهم بدوافع داخلية، إضافة إلى الدافع المادي»

ويقوم الثوار في كل المدن بتوثيق أعمال التشبيح بالكامل، حيث تتوافر قوائم بأسماء الشبيحة في كل منطقة، وأسماء مموليهم، بالإضافة إلى الوثائق التي تثبت ذلك، من صور وخلافه، ليتم تحويلها إلى القضاء لاحقا، ومحاسبة الجناة

ومن خلال رصد وتحليل قوائم الممولين للشبيحة، يتبين أنهم من التجار الذين وصلوا إلى ثرائهم من خلال شراكتهم مع النظام، أو من خلال غضّ النظام الطرف عن أعمالهم

ومصطلح الشبيحة ليس حديثا كما يقول ناشطون سوريون، إنما خبروه منذ ثمانينيات القرن الماضي، ويعرف أبو غازي الحموي، عضو مجلس ثوار حماه الشبيحة بأنهم «أبناء مناطق جبلية كانوا وآباؤهم يعملون بحراسة الأرض وحصادها وفي تهريب الممنوعات عبر المناطق الحدودية، وهؤلاء ليست لديهم ثقافة فكرية أو دينية وغير متعلّمين». ويوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن السلطة في سوريا بدأت توظف فئة كبيرة من هؤلاء في الجيش والأمن، وبات لكل مسؤول من السلطة شبيحته الذين يخدمونهم وينفذون أوامرهم، ويكلفونهم بمهام محددة مثل الخطف وسرقة السيارات وغيرها من المهام». ويشير أبو غازي إلى أن «هذه التسمية (الشبيحة) التصقت بهم في التسعينيات عندما تخصص قسم منهم بسرقة سيارات المرسيدس التي يطلق عليها اسم (الشبح) والتي تعود لسياح عرب وأجانب ومغتربين ومتمولين سوريين». ويقول «منذ بداية الثورة عرف هؤلاء بشكل أوسع خصوصا في منطقة اللاذقية، إذ نزل هؤلاء من الجبال، وبدأوا يقطعون الطرقات ويعتدون على الناس ويقتلون ويخطفون بأمر من النظام ومخابراته، والناس باتت تعرف معظم هؤلاء عن بعد، فغالبيتهم ملتحٍ وحليق الرأس، وأول شبيح ألقي القبض عليه كان في حمص، حيث كان يكتب شعارات وهتافات تحريضية تثير الفتنة مثل عبارة (المسيحية على بيروت والعلوية بالتابوت)، لكن الآن ومع تقدم الثورة فقد انتشروا في كل أنحاء سوريا». كاشفا أن «معظم المجرمين الخطرين المحكوم عليهم بجرائم القتل والاتجار بالمخدرات والخطف أخرجهم النظام من السجون بعفو خاص، وجنّدهم كشبيحة لاستخدامهم في قمع المتظاهرين وقتل الثوار لقاء إغرائهم بالمال وتقاضي كل شبيح ثلاثة آلاف ليرة سوريا (65 دولارا أميركيا) يوميا». معتبرا أن «العفو العام المزيّف الذي أصدره أخيرا النظام لم يطلق بعده أكثر من ألف سجين ممن شاركوا في المظاهرات، في حين أن هناك عشرات آلاف المعتقلين ما زالوا في أقبية هذا النظام، لكن المؤكد أن هذا العفو أريد منه الإفراج عن مجرمين كثر لاستخدامهم كشبيحة»

ويلفت الحموي إلى أن «نعمة الشبيحة بدأت تنقلب نقمة على من يستخدمهم، إذ إن أهل هؤلاء، خصوصا في مدينتي تلكلخ وحمص ذات الاختلاط السني العلوي، فبدأوا ينقمون على النظام بسبب زجّ أبنائهم (الشبيحة)، في مواجهات مع الناس والتسبب بقتلهم عدا عن زرع الفتنة بينهم وبين جيرانهم وأبناء مناطقهم». ويروي قصّة مقتل أحد الشبيحة من مدينة سلحب في محافظة حماه منذ أيام، فيقول «عندما أعيد شاب اسمه سليمان إلى أهله بعد مقتله على أيدي الجيش السوري الحرّ، خرجت أمه إلى الشارع وصارت تصرخ وتولول بأعلى صوتها وتقول (يا ابني ماقلتلك ماتروح شو بتفيدك الـ2000 ورقة (ليرة) هلأ؟)»

وهذه الحالة نموذج عن الكثير من القرى التي تصدر شبيحتها إلى المناطق السورية المنتفضة خصوصا من المدن الساحلية، التي يبث النظام فيها سمومه ويحاول أن يوهم أهلها بأنه إذا سقط سيتم ذبحهم وقتلهم وتشريدهم من قبل الثوار ومن يسميهم العصابات السلفية»

ويتحدث أبو غازي عن «خروج الكثير من الشبيحة عن طاعة النظام، بسبب الشحّ المالي وعدم قبض البعض منهم أجرهم اليومي، فالذين كانوا يقبضون 3 آلاف ليرة سوريا يوميا نزل أجرهم الآن إلى 500 ليرة في اليوم، وهذا دليل على أن الميزانية المخصصة بدأت تجف، وذلك بشهادة المفتش الأول في وزارة الدفاع السورية سليمان حاج أحمد الذي أعلن انشقاقه منذ أسبوعين تقريبا»

ولعل أشهر فيديو يظهر فيه الشبيحة إلى جانب قوات الأمن فيديو قرية البيضة الذي يصورهم وهم يدوسون على أجساد أهل قرية البيضة ويهينونهم. وما يزال النظام يستعين بهؤلاء في المهمات التي تتطلب تدريبا ولياقة بدنية عالية كمهاجمة السفارة الأميركية والفرنسية في العاصمة دمشق، حيث تم استقدامهم من اللاذقية بباصات كبيرة وقام عناصر منهم بتسلق جدار السفارة الأميركية وارتفاعه أكثر من عشرة أمتار تعلوه أسلاك شائكة، للدخول إلى حرم السفارة وإنزال العلم الأميركي، حينها قال النظام السوري إن متظاهرين غاضبين من السياسات الأميركية قاموا بذلك إلا أن مصادر داخل السفارة أكدت أنها رأتهم ينزلون من باصات جاءت من اللاذقية، والشبيحة التي ترافق قوات الأمن في قمع المظاهرات السلمية في المدن والذين عادة يستخدمون الهراوات الكهربائية والخشبية لضرب المتظاهرين واعتقالهم، فغالبيتهم من موظفي المؤسسات العسكرية الإداريين، مثل مؤسسة الإنشاءات العسكرية، وهؤلاء يتم سوقهم رغما عنهم أيام الجمع لقمع المظاهرات تحت التهديد بالعقوبة بالخصم من رواتبهم، فحسن، مساعد مهندس في مؤسسة الإنشاءات العسكرية في بداية الأحداث كان يذهب إلى قمع المظاهرات بحماس كبير، رغبة منه في الدفاع عن النظام الذي «يضمن له الأمن والاستقرار» حيال «خونة يريدون تقويض استقرار البلد» وشارك في قمع مظاهرات حي القابون وعدة مناطق في ريف دمشق، لكنه مع تقدم الأحدث فقد حماسه. ويقول الآن «أنا مرغم على الخروج ولا يمكنني التهرب.. إذا لم اذهب سأفقد عملي ولدي عائلة تريد أن تعيش». حسن ذو البنية الجسدية النحيلة يبدو مذعورا، ويحاول التخفي دائما كي لا يتعرف عليه أحد ويتجنب ضرب المتظاهرين قدر الإمكان وذلك بعدما شاهد بأم عينه كيف قتل مهندس كان يعمل معه في نفس المؤسسة في أحد أحياء دمشق، ويقول إن ذلك المهندس كان العقل المفكر للمجموعة التي تقودنا وكان يضع لنا خطط الاقتحام والسيطرة على المجاميع وتسبب بقتل العشرات وعندما اكتشف المتظاهرون أمره استدرجوه إلى أحد الأزقة وتم قتله بطريقة «بشعة جدا»، ويتابع: في مناطق أخرى كانت جثث رفاقنا تصل إلينا في حاويات القمامة فبعد أن يقتله المتظاهرون «يرسلونه إلينا بالحاوية»

التجربة ذاتها التي اتبعت مع المؤسسات الحكومية العسكرية، تم تعميمها على الجامعات حيث تولى اتحاد الطلبة مهمة تجنيد الطلبة للتشبيح إلى جانب قوات الأمن داخل الحرم الجامعي، وفي حال عدم وجود الأمن يقوم الطلاب «الشبيحة» بتولي مهام الأمن في قمع رفاقهم والوشاية بهم لاعتقالهم، فهم مزودون بعصي كهربائية وأرقام هواتف ساخنة تصلهم فورا بالأجهزة الأمنية

رامي هو أحد الموالين للنظام فوالده يشغل منصبا أمنيا، وعلى استعداد لأن يفدي النظام بروحه كما يقول إلا أن الحادثة التي شهدتها كلية الطب وراح ضحيتها شابان من الموالين النظام بتهمة أنهما من الشبيحة جعلته ينكفئ ويفكر كثيرا قبل المشاركة في قمع زملائه

وما تزال الأوساط السورية تتجادل حول ما حصل في كلية الطب في جامعة دمشق

والقصة أن طالب طب سبق واعتقل وأهين على يد زملاء له في الكلية على خلفية مشاركته في اعتصام من أجل حرية زملائهم، وقام هذا الشاب والذي هو من مدينة رنكوس والتي كانت تتعرض حينها لحصار خانق ويرتكب فيها النظام جرائم وحشية، بإطلاق نار من مسدس حربي على خمسة من زملائه يعتبرون من الشبيحة، قتل منهم اثنان على الفور وأصيب ثلاثة أحدهم إصابته تسببت له بعاهة دائمة. والشباب الخمسة أبناء لعائلة قريبة من النظام، وحاولت وسائل الإعلام المحلية استثمار القصة للتدليل على وجود عصابات مسلحة إلا أن غالبية الناس بشقيهم المعارض والموالي اتفقوا على أن المسؤولية تقع على كاهل اتحاد الطلبة الذي حول الطلاب إلى شبيحة

وقال مصدر في المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتجية في واشنطن لـ«الشرق الأوسط» إن المركز يعمل على وضع سجل لنشاطات الشبيحة في سوريا، وذلك كجزء من خطة المركز لعقد مؤتمر عام عن الوضع في سوريا. ولإرسال تقرير إلى مجلس الأمن لتحويل مشكلة سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، وذلك لأن «الشبيحة جزء من حملة دموية ضد حقوق الإنسان في سوريا». وقال إن الشبيحة «وصمة عار في تاريخ سوريا، وهناك صلة وثيقة بين الشبيحة والنظام»

وقال إن في السلطة عشرة آلاف جندي تقريبا. ورغم أن قيادتهم مستقلة، تأتي الأسلحة والذخيرة من القوات السورية المسلحة. وصارت هي نفسها مقسمة داخليا حسب مقربين من السلطة، يعيشون خارج وداخل سوريا. وبعد بداية الثورة السورية في السنة الماضية، وانتشار اسم «الشبيحة»، حاول الذين في الخارج من المقربين من النظام قطع أي صلة مباشرة معهم، خوفا من اتهامهم من قبل الدول التي يعيشون فيها بالإرهاب

وقال: «لكن الإرهاب ظل وثيق الصلة بالشبيحة منذ قبل بداية الثورة». وأشار إلى علاقات الشبيحة مع منظمات لبنانية يمينية ويسارية. وقال: «من المفارقات أن جهات مقربة من النظام، وهي التي كانت جعلت لبنان وكأنه ضيعة لها، كسبت كثيرا من اليساريين، باسم الثورة، وتحالفت مع الكثير من اليمينيين، للمحافظة على موازين القوى وسط الطوائف اللبنانية». ولهذا، هناك تحالفات سياسية وميليشية. وقال المصدر، إن هناك علاقات ذات أنواع مختلفة بين الشبيحة، وجيش لبنان الحر، والكتائب، وقوات عون

وأيضا، قال إن هناك علاقات للشبيحة مع جاليات سوريا ولبنانية في أميركا الجنوبية والوسطى، خاصة في الأرجنتين والبرازيل. وربما ليست علاقة عسكرية مباشرة، ولكنها، في كثير من الأحوال، جزء من علاقات تجارية واقتصادية بين أفراد مقربين من النظام وهذه الجاليات. كما أن بعض هذه المجموعات المتعقدة الأهداف تعمل في تجارة المخدرات وغسل الأموال، خاصة في دول مثل كولومبيا وبيرو وإكوادور

ورغم أن اسم «الشبيحة» لا يستعمل وسط الجاليات السورية واللبنانية هناك، ليس سرا بالنسبة لهذه الجاليات أن مقربين من السلطة شركات حقيقية ووهمية تعمل في مجالات، بعضها قانوني في التجارة والبنوك، وبعضها غير قانوني، له صلة بالمخدرات وغسل الأموال

وقارن المصدر السوري كلمة شبيحة بكلمة «بلطجية» التي أطلقها المصريون على الفوضويين الذين حاولوا عرقلة الثورة في مصر في السنة الماضية، وقتلوا معارضين، خاصة فيما سمي «موقعة الجمل» في ميدان التحرير

وفي نهاية السنة الماضية، في تقرير قدمه جفري فيلتمان، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، بعنوان «السياسة الأميركية في سوريا»، وصف الشبيحة بأنهم «أكثر من عصابات مافيا، إنهم يقتلون باسم النظام»

وأيضا، أشار تقرير أصدرته منظمة «هيومان رايتس وتش» (مراقبة حقوق الإنسان) في نيويورك إلى دور الشبيحة في قمع المظاهرات. وقال التقرير: «هذه النشاطات هي جزء من انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا. وهي من أسباب دعوتنا لمجلس الأمن الدولي ليحول موضوع سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية»

الشرق الأوسط – 26 يناير 2012

http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=660682&issueno=12112