ممولو « داعش » الحقيقيون – منار الرشواني

Article  •  Publié sur Souria Houria le 22 octobre 2014

تتسع قائمة المتهمين بالمسؤولية عن صعود تنظيم « الدولة الإسلامية » (داعش) وتناميه عدداً وعدة. وهي قائمة تبدأ غالباً بالرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، على رأس جماعة المحافظين الجدد، والذي تعامل بمنتهى الاستخفاف مع غزو العراق في العام 2003 وتبعاته، لكنها لا تنتهي بالرئيس الحالي باراك أوباما، ونائبه جو بايدن، اللذين تعاملا أيضاً بالاستخفاف ذاته إن لم يكن أكثر مع الانسحاب من بلاد الرافدين. أما المسافة الفاصلة بين بوش وأوباما، فيملؤها حتماً كل الفاعلين الإقليميين الذين أسهم كل منهم بدوره في دعم التنظيم.
هكذا، بالنتيجة، تضيع دماء الأبرياء المسفوحة، والحضارة المنهوبة، بين « القبائل »، فلا يُعد أحداً مسؤولاً. والأخطر هو أن لا يعود ممكناً، كما يبدو حتى الآن، احتواء « داعش »، ناهيك عن استئصاله، فيتواصل القتل المجاني العدمي، بل ومع اتساع حتمي لساحة المذبحة.
تلك هي الصورة فعلاً بمنطق التلاوم والمناكفة، وبالتالي الاستهتار بدماء البشر. أما بمنطق السعي الحقيقي إلى إيجاد حل ينهي المأساة المستفحلة، فإن ثمة متهما/ مدانا يظهر كما « الفيل الزهري في غرفة »، وفق المقولة الغربية.
في تصريح لصحيفة « الشرق الأوسط » اللندنية، نشر الخميس الماضي، اعتبر عضو المجلس القيادي لعشائر الأنبار المنتفضة ضد « داعش »، فارس إبراهيم، أن « الجيش (العراقي) تحول للأسف إلى مصدر تمويل لداعش بدلا من طرده، لأنه في الغالب يتمكن هذا التنظيم من مهاجمة الجيش ومحاصرته ومن ثم الاستيلاء على أسلحته ومعداته بما فيها الثقيلة ». قبل ذلك بيوم واحد، كان تنظيم « داعش » يُسقط ثاني طائرة « هيليكوبتر » عسكرية عراقية خلال أسبوع، باستخدام صاروخ حراري، قال التنظيم، كما نقلت صحيفة « الحياة » اللندنية، إنه حصل عليه « بدفع رشوة لضباط في وزارة الدفاع (العراقية) »!
ولعل ما سبق لا يبدو جديداً أو غريباً مقارنة بالأسلحة والمعدات الأميركية المتقدمة التي حصل عليها « داعش » من الجيش العراقي بعد هجوم الموصل في حزيران (يونيو) الماضي، قدر البعض قيمتها بحوالي 1.2 مليار دولار، واستُخدمت في « فتوحات » الرقة السورية. لكن الخطورة فعلاً تتأتى من تواصل الأمر ذاته بعد فجيعة الموصل.
ما يقال عن الجيش العراقي ينطبق تماماً على الجيش السوري، كما تؤكد منظمة « أبحاث تسليح النزاعات » في آخر تقاريرها. فاستناداً إلى بحث ميداني للمنظمة، وكما تنقل صحيفة « نيويورك تايمز » في 5 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، فإن الغالبية العظمى من أسلحة « داعش » الخفيفة وذخائره تأتي من الجيشين العراقي والسوري.
وسواء كان تسلح التنظيم يتم بالشراء من هذين الجيشين أو بهزيمتهما، فإنه يظل القاسم المشترك في الحالتين واضحاً: فساد المؤسسة العسكرية؛ بحيث يفر القادة من الميدان كما حصل أكثر من مرة في العراق وسورية، فيواجه الجنود تالياً مصيرهم الحتمي وحيدين، مع تكشف افتقارهم أيضا للتدريب العسكري اللائق، وقبلها العقيدة العسكرية.
ولا يجب أن يكون ذلك مفاجئاً. المفاجئ والغريب فعلاً أن يتوقع أحد أن يبني جيشاً محترفاً وطنياً دكتاتور يصون عرشه بالفساد وحده، وهو الخائف دائماً من الانقلاب عليه قبل إنهاء فترة ولايته، والتي قد لا تنتهي حتى بالموت، كما تثبت حالة سورية!
مرة أخرى، فإن قصة « داعش » وأشباهه، السابقين واللاحقين، يظل ممكناً تتبعها وروايتها، منذ النشأة، بتتبع تاريخ الفساد والاستبداد، وكل ما عدا ذلك عوامل هامشية أو ملفقة؛ بدليل أن كل الأديان وظفت للسلم كما وظفت للحرب والعدوان، وبعض أبشع التنظيمات الإرهابية كانت وما تزال شديدة العلمانية.