إذن ما الحل؟! – جمانة غنيمات
إذن ما الحل؟! – جمانة غنيمات
في الوقت الذي يتنامى فيه اقتصاد « دولة داعش »، تشهد اقتصادات العديد من الدول تراجعا ملحوظا، يتجلى خصوصاً في تواضع معدلات النمو الاقتصادي، لاسيما في تلك الدول التي تعاني أزمات متراكمة بدأت بشكل خاص في العام 2008؛ تاريخ نشوء الأزمة المالية العالمية.
إذ في مقابل تنامي مصادر تمويل « داعش »، تتسم بالتشاؤم جميع التحليلات المتعلقة بالوضع الاقتصادي لدول الإقليم، والتي قد تتباين في المشهد الكلي الخاص بكل منها، إلا أنها ترزح جميعاً في النهاية تحت وطأة تحديات متشابهة، تبدأ من ارتفاع معدلات الفقر التي تقف الخطط عاجزة عن مجابهتها، كما بلوغ معدلات بطالة مستويات خطرة، وتحديدا بين الشباب، وليس انتهاء بتراجع معدلات النمو، وتصاعد عجوزات الموازنة والميزان التجاري والمديونية.
ومع عدم قدرة هذه الدول على القيام بمهامها وواجباتها تجاه شعوبها، يبدو « داعش » أكثر جذبا لشرائح واسعة من المجتمعات!
حتى اليوم، ما تزال سياسات دول المنطقة قاصرة عن إيجاد حلول عميقة لتهديد « داعش »، رغم الإقرار بخشيتها من التنظيم، ورفعها الصوت عالياً، ليلا ونهارا، محذرة من مخاطره الكارثية عليها، وبما يعبر عن وعي تام لدى هذه الدول بأن « داعش » تهديد مباشر لبقائها.
تتعاظم المشكلة مع تراجع أسعار النفط عالمياً، والذي توفر إيراداته للعديد من الدول الناشطة في الإقليم موارد مالية كبيرة، تجعلها أكثر راحة في التعامل مع المعطيات. كما تتعمق المشكلة أيضا بسبب فاتورة الحرب على « داعش »، والتي تقدر بمليارات الدولارات، يسدد فواتيرها الجميع.
الحرب على « داعش » تتزامن مع أزمات قائمة قبل ظهور التنظيم. والحديث هنا عن الأحوال الكارثية في سورية، واستمرار نزف دم شعبها على يد نظام بشار الأسد، كما على يد « داعش »، مع ما لهذه الأزمة من تداعيات كبيرة على اقتصادات الدول المحيطة. ووسط هذه المعطيات، لا يبدو الحل الذي تقدمه الحكومات للمشكلة، وعنوانها الرئيس اليوم مواجهة « داعش »، ناجحا. فالدول ترى الحل تنمويا، وأن إحداث قفزة في حياة الناس كفيل بإغلاق الباب في وجه التطرف والقتل. لكن كيف الوصول إلى تحقيق ذلك، فيما المعطيات الرقمية والاقتصادية كافة تؤكد أن العجز هو سيد الموقف لتنفيذ مثل هذه الرؤية؟
فالتنمية المستدامة بحاجة إلى عقلية مختلفة لإدارتها أولا؛ وإلى إمكانات مالية تضخ الحياة في عروق الاقتصادات التي تكاد تجف.
بالنتيجة، لا يبدو الانتعاش المفيد الذي يستشعره الناس، ممكنا على المدى القريب. إضافة إلى أن عملية التنمية الحقيقية، وليس النمو، مسألة تستغرق وقتا، ومن الوهم الاعتقاد بإمكانية تحقيقها وفق المعطيات الحالية.
إذن، ما الحل؟ كيف تقف الدول في وجه « تسونامي » الفكر المتطرف الذي يتفشى بيننا كالوباء؟
الحل الحقيقي، الشافي والجذري، يتمثل في أنظمة ديمقراطية تؤمن بالتعددية والمدنية؛ تكون مصنعا للأفكار والتنوير، وتخلق الانتماء قبل الولاء، فتجعل المواجهات بالنتيجة فكرية لا دموية. بيد أن ذلك لا يبدو مطروحا على الطاولة؛ إقليمياً كما من قبل الغرب الذي لا يكترث لحاضرنا أو مستقبلنا، بل وكانت سياساته في المنطقة أحد أهم أسباب التطرف والغلو، بالمساهمة في خلق مساحات فارغة تُملأ اليوم بمثل هذه الأفكار.
من هنا فإن على الدول التفكير في الوضع المعقّد الذي تضع نفسها فيه في مواجهة شبابها الباحث عن العدالة وتكافؤ الفرص، لكنه صار صيدا سهلا لداعش، وما سيظهر بعده من تنظيمات إرهابية. وببساطة ووضوح، فإن هذه الدول عاجزة عن إيجاد مخرج من مأزقها الكبير، طالما أنه لا التنمية ممكنة، ولا الديمقراطية حاضرة في بالها.
لكن الحقيقة الوحيدة هنا هي أنه لا حل ثالثا لهذه الدول؛ فإما الحلان السابقان، أو « داعش »، علماً أن ما بعد « داعش » أخطر مما نحن فيه اليوم.