الثورة السورية وجبهة المتطرفين – ياسر أبو هلالة
تطرق الثورة السورية أبواب السنة الرابعة، وهي أبعد ما تكون عن تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها. وبعد أن كان الثوار يقاتلون نظاما دكتاتوريا واحدا، دخلوا في جبهات مفتوحة مع فصائل متطرفة أو عصابات ولدت برعاية النظام أو ردة فعل على ارهابه، وقد نجح بشار الأسد تاريخيا في حرف مسار الثورة السورية من ثورة سلمية تنشد الحرية إلى حرب أهلية عالمية يصل شررها إلى أوكرانيا. لا يتحمل وحده المسؤولية، فلولا تقاعس المجتمع الدولي لما تجرأ على ارتكاب واحدة من جرائمه، لكنه أدرك مبكرا أن معه صكا على بياض أن ينهي مهمته بسرعة ومهما كلف الثمن، ولو كان استخدام السلاح الكيميائي!
عوقب السلاح نفسه في سابقة لم يعرفها تاريخ البشر، لا يعاقب مستخدم السلاح بعد أن عوقبت الضحية، يتلف السلاح ويلقى في البحر، والنظام يشتري وقتا إضافيا هو والروس في تجميع السلاح وتفكيكه وتسليمه، يستطيع مواصلة التدمير في السلاح الذي أخذ براءة اختراعه؛ البراميل المتفجرة!
ما لا يقل خطرا عن البراميل المتفجرة، الفكر المتطرف الذي اخترق الثورة، سواء عبر عمل استخباري منظم أم نتيجة طبيعية لطول أمد الثورة وفقدان مناعة الجسم واستباحة الأرض السورية من كل الأطراف، من حزب الله إلى لواء ابو الفضل العباس إلى الحوثيين، وحتى فصائل مسيحية وصولا الى الدولة الإسلامية في العراق والشام. وهذا التطرف يعطي شرعية لجرائم النظام باعتبارها جزءا من ثقافة عامة في البلاد.
لا يجوز التعميم هنا، والفرد أو الفصيل الذي يرتكب جريمة لا بد أن يكشف ويحاسب أخلاقيا وقضائيا، ولا يجوز باسم الثورة الدفاع أو التستر عليه. ما نشر من فيديو مسرب لما فعلته عناصر من الدولة الإسلامية مروّع، يتطلب تحقيقا ومحاسبة حتى يستأصل هذا الفكر. بحسب ما نشرت صحيفة زمان الوصل فإن المعتقلين ومنهم كهول وأطفال جرت تصفيتهم بتهمة عمالة العائلات لقوات النظام. من قاموا بهذه الجريمة لا يختلفون أبدا عمن قتلوا أيقونة الثورة حمزة الخطيب في فرع المخابرات الجوية.
العالم الذي يزعم محاربة الإرهاب جعل من سورية مكاناً مفتوحا يسمح فيه لمن شاء بارتكاب أي جريمة دون حساب أو مساءلة. على العكس توجد فترة سماح وعفو مسبق، وبكل صفاقة يطلب من الشعب السوري الأعزل ان يقاتل على كل الجبهات وحيدا. الثوار بوضعهم الحالي من الجيش الحر الى الجبهة الاسلامية والنصرة وباقي الفصائل لا يستطيعون هزيمة النظام ولا « الدولة » وهم في حال استنزاف متبادل، وربما هذا هو الهدف الحقيقي لأميركا.
ستبقى الحرب في وضع مستقر؛ لا النظام يقضي على الثوار ولا هم يقضون عليه، لكن مهما طالت لا يجوز التخلي عن الأهداف التي قامت الثورة من أجلها، أو التسامح مع الفكر المتطرف ولو تخفى بزي الثورة. وبالنتيجة لا يمكن للنظام أن يبقى، لكنّ الفكر المتطرف من الممكن أن يبقى من بعده ويواصل الجرائم ذاتها بمسميات مختلفة. من دروس التاريخ ان الديمقراطيات تولد من رحم حروب أهلية، حصل هذا في القرن التاسع عشر في أميركا وفي أسبانيا في سبعينيات القرن الماضي، وتكرر في كثير من الدول. المأمول أن لا تكون سورية استثناء!