الجيشان الأميركي والسوري في خندق واحد ! – منار الرشواني
بالتأكيد، كانت صحيفة « الوطن » السورية تعبر عن وجهة نظر نظام بشار الأسد، غداة بدء التحالف الدولي ضرباته العسكرية لتنظيم « الدولة الإسلامية » (داعش) في سورية، وذلك عندما صدّرت الصحيفة صفحتها الأولى، يوم الأربعاء الماضي، بعنوان: « واشنطن وحلفاؤها في خندق واحد مع الجيش السوري ». يكفي دليلاً نهائياً على كون ذلك هو موقف النظام، وعدا عن بدهية عدم وجود صحافة حرة من أي نوع في « سورية الأسد »، هو أن مالك « الوطن » ليس إلا رامي مخلوف، الذي ما كان لينشئ الصحيفة، ضمن مشاريع أخرى تستعصي على الحصر، لولا دخله وامتيازاته المتأتية عن عمله الذي يحمل مسمى « ابن خال بشار الأسد »؛ لا أكثر ولا أقل.
ومنعاً لأي محاولة للتأويل واختلاق الأعذار للنظام من قبل أنصاره، وادعاء الخطأ والسهو أو حتى الشطط، فقد عادت الصحيفة ذاتها لتؤكد في اليوم التالي مباشرة، وعلى صفحتها الأولى أيضاً، استقبال « الشارع السوري عموماً الضربات الأميركية بارتياح ».
بداية، يفترض أن تكون هذه « الحفاوة » بالضربات العسكرية (التي ينفذها المتهمون من قبل النظام، إلى ما قبل أيام فقط، بأنهم أعضاء في « المؤامرة الكونية » ضد مقاومته وممانعته) بمثابة الضربة الأخيرة والماحقة للخرافات المؤسسة لادعاءات تلك « المؤامرة ». وهو ما لا يبدو ثمناً كبيراً لتحقيق الهدف الأول والأخير للأسد، أي احتفاظه بالسلطة، مقارنة بالثمن المقدم حتى الآن؛ تدميره سورية وتهجير أهلها.
لكن السؤال الفعلي هو كيف يمكن تفسير هذه « الحفاوة »، وبالتالي تقديم الثمن السابق صراحة -وإن كان بدهياً لكل من يعرف تاريخ نظام الأسد- رغم غموض الأهداف النهائية للتحالف الدولي على مستوى المنطقة، وسورية خصوصاً؟ فوفق أفضل الاحتمالات للجميع، الأسد وحلفاؤه في مقابل المعارضة وداعميها، فإن فرص الإبقاء على الأسد ونظامه، بعد تأهيلهما وإلحاقهما نهائياً بالمعسكر الغربي، تتساوى -بسبب هذا الغموض- مع فرص إزاحة الأسد تحديداً، باعتباره عقبة في طريق استئصال تنظيم « داعش » وأشباهه من المنطقة والعالم.
الحقيقة أن الخوف من هذا الغموض هو ما يفسر الحفاوة السورية الرسمية، باعتبارها خطاباً موجهاً إلى الداخل، لاسيما بقية النظام وأركانه، لطمأنتهم بأن الهدف النهائي للحملة الدولية لن يكون إزاحة النظام، وإلا أدى تسرب هكذا اعتقاد إلى تسريع تفككه، واستعجال القفز من مركبه في حال استشعار غرقه.
في المقابل، فإن الغموض الأميركي الدولي أيضاً بشأن « الحرب الطويلة » على « داعش »، هو ما يفسر جزئياً فقط، اختلاف إيران، وحزب الله على لسان حسن نصرالله، مع حماس نظام الأسد للضربات الجوية في سورية. لكن الأهم من ذلك، أن خطاب الرفض الإيراني للعمليات العسكرية الدولية في سورية سيسمح لطهران وميليشياتها لاحقاً، في حال الاستفادة من هذه العمليات، بادعاء رفضهم مبدئياً الانخراط في المحور الغربي. وهو ما شهدناه تماماً في حرب غزو العراق العام 2003، التي رفضتها إيران يومها إعلامياً، قبل أن تعود لتذكر الأميركيين لاحقاً بأفضالها عليهم في احتلال العراق وقبلها أفغانستان.
بالنتيجة، يظل « الخندق الواحد » مع أميركا هو أمنية الأسد وأقصى طموحه، حتى في حال نصره المزعوم على الشعب السوري، تماماً كما أنه أمنية إيران التي تبني عليها سياستها للمستقبل، ولا تصعد تدميراً الآن في كل العالم العربي، إلا لإقناع أميركا أنها شرطيها/ وكيلها الوحيد المؤهل في المنطقة.