الحل في مبادرة عربية – أيمن الصفدي
لن تنتهي كارثة داعش في العراق إلا إذا استُؤصلت من سورية. ولن ينجح القصف الجوي الأميركي لداعش في العراق في تخليص المنطقة من هذه الآفة، إلا إذا صار جزءا من خطة سياسية شاملة، تستهدف دحر داعش عسكريا، وتغيير بيئة القهر التي أنتجتها، وتجفيف مصادر تمويلها وكل روافد الجهل التي تروج لها.
وهنا تكمن الأزمة.
من سيضع هذه الخطة؟ ومن سيقود تنفيذها في عالم عربي مزقته الانقسامات الداخلية والأيدولوجيات الإقصائية وصراعات الأجندات الخارجية؟
تتجه الأنظار نحو الولايات المتحدة كلما عصفت بالمنطقة أزمة. لكن تكبر الأزمات كلما تدخلت أميركا بأفعالٍ قاصرة تحكمها رؤية مشوهة لمصالحها وفهم مغلوط لطبيعة المشاكل وسبل حلها. وباتت التدخلات الأميركية أكثر قصورا، بل أكبر كارثية، نتيجة النهج الانعزالي للرئيس باراك أوباما، الذي أثبت أنه لا يملك سوى بلاغة خطابية خبا بريقها تحت وقع أفعال قتلت الأمل بتغيير إيجابي كان وعده في سياسات أميركا إزاء قضايا المنطقة.
لكن الواقع هو أن أي عملٍ إقليمي الأبعاد بحجم التحرك المطلوب لدحر داعش ووقف الانهيار في سورية والعراق لن ينجح من دون قيادة واشنطن له. أوروبا أضعف من أن تقود. وأهل البيت، من الدول العربية التي بقيت متماسكة وسط عواصف السنوات القليلة الماضية، عاجزون في ظل تشتت الرؤى وغياب مؤسسات العمل الجماعي الفاعلة.
رغم ذلك، لا أمل إلا في خطةٍ شاملة ينتجها العرب. لا يستطيع العرب قيادة الحل وتنفيذه منفردين. لكنهم قادرون على بلورته. اقتناع أميركا بالخطر الداعشي على مصالحها وما تتعرض له الإدارة الأميركية من ضغوط داخلية لحماية هذه المصالح قد يدفعها لدعم مبادرة عربية، وبالتالي تقوية فرص نجاحها.
غياب الدور العربي الجماعي المؤثر أجج أزمة العراق أولا وكارثة سورية بعدها. حضور هذا الدور سيسهم في إنقاذ البلدين إن جاء بصيغة خطة شاملة تؤطر الجهد العسكري في حل سياسي متكامل يعي ترابط الأوضاع فيهما ويواجه دمارية السياسات التي تفكك مجتمعاتهما طوائف وأعراقا.
دليل جدوى هذا الحل السياسي الشامل قدمه العراق قبل سنوات، إذ هزمت القاعدة عندما ترافق الجهد العسكري مع سياسات أقنعت العراقيين أن حكومتهم لهم جميعا، فاجتمعوا على محاربة القاعدة في قراهم ومدنهم وطردوها منها. لكن التراجع عن هذه السياسات أعاد إنتاج التطرف. فما إن انتعشت القاعدة بصورتها الداعشية الأبشع في بطش النظام السوري حتى وجدت طريق العودة إلى العراق ممهدةً بطغيان مشاعر القهر وفقدان الإيمان بالدولة والهوية الوطنية.
لن يتوقف الانهيار إلا بمبادرة تولد في المنطقة من فهم أعمق لشروط الخلاص، وتوظِف تلاقي المصالح مع الولايات المتحدة على محاربة الإرهاب في فرض حل حقيقي ينهي الأزمات من جذورها، ولا يقتصر على بعض تداعياتها التي ترى إليها واشنطن خطرا عليها. بغير ذلك، ستغادر الطائرات الأميركية بعد إنهاء الخطر اللحظي لداعش، وسيبقى العرب على طريق الانحدار نحو ضياعٍ أكثر قهرا وظلامية.