المسألة الشيعية – جميل النمري
المسألة الشيعية – جميل النمري
المسألة المذهبية لم تكن بارزة قبل احتلال العراق، لكنها كانت موجودة. وهي مثل قضايا الأقليات، كانت مكبوتة ومغيبة تحت موجة المدّ القومي العربي الذي زين لنا وطنا عربيا أحادي الأصل والثقافة واللغة؛ فلم يكن هناك أمازيغ (أو بربر) في شمال أفريقيا، ولا زنوج في جنوب السودان، كما لم يكن هناك أكراد في شمال العراق وسورية، ولا سريان وآشوريون وكلدان.
كان عالما عربيا سُنّياً، حتى لو قلنا إننا كنا نعرف الإسلام فقط، من دون التفرعات التي ظهرت مؤخرا على السطح. فهذه التفرعات كانت موجودة وراسخة، لكن كان هناك تغييب للتنوع لصالح هوية واحدة فقط، هي العربية السُنّية. وبالطبع، كان معلوما أن هناك أكرادا في شمال العراق، وأقباطا في مصر، وأمازيغ في شمال أفريقيا؛ لكنها كانت هويات مغيبة عن السطح بالرضا والقبول لصالح الهوية الواحدة، تحت شعار الوحدة. وضمنا، فقد كان هناك ترهيب من إظهار التميز أو الاختلاف. والإنتاج الثقافي من مختلف الأقطار العربية، والذي كان يتعمم عبر الأدوات الأولى؛ كالأفلام والأغاني والمجلات والروايات، كان يتجاهل التنوع. ومن بين تنويعات أخرى، فإن المكون الشيعي، بطقوسه وثقافته ومعتقداته، كان مغيبا أيضا. وفقط بعد احتلال العراق، سنكتشف أن الشيعة يشكلون الأغلبية بين مكونات الوطن العراقي، ولديهم وجدانهم الديني والثقافي، ورواياتهم وطقوسهم، ورموزهم المقدسة.
سنبرر ذلك بحرص الجميع على الوحدة، ورفض التفرقة. لكن الأخوة والتعايش ونبذ التمييز أو التفرقة، شيء؛ والقمع الثقافي للمكونات الثقافية-الدينية شيء آخر. وثبت اليوم أن التوحيد السطحي للهوية كان يكبت الآخر. والآن، علينا أن نتعامل مع مشاعر الاضطهاد التاريخي، فوق شعور المظلومية الذي يشكل جزءا حميما من الإرث الشيعي. وهو ما يتحول، حيثما أتيح له، إلى تمرد وانقسام. ورغم أن حزب البعث العراقي لم يكن بالفعل طائفيا سُنياً (يمكن إشهار حقيقة أن أكثر من نصف قيادة الحزب كانت من الشيعة)، فقد كان هناك قمع ثقافي يعرفه المعنيون، وكان هناك منع للطقوس الشيعية المعروفة؛ مثل يوم عاشوراء. ونعرف الآن بأن حكم عائلة الأسد في سورية كان بالعكس؛ حكما علويا. والعلويون، كما بتنا نعرف الآن، من التفرعات الشيعية. ونعرف الآن أنهم (العلويون) عانوا تاريخيا من الاضطهاد والدونية في سورية، وهم لذلك يتشبثون بأظفارهم بالسلطة التي أتيحت عبر قناة السلطة الحزبية العسكرية للرئيس حافظ الأسد، بعد انقلابه العام 1970.
صحيح أننا الآن نقف ضد التمدد الإيراني في العمق العربي، لكن علينا أن نلوم أنفسنا أولا، لأننا مهدنا للولاء الشيعي في المشرق العربي لإيران الشيعية. وبالأصل، كانت المرجعيات الروحية العليا للشيعة عربية عراقية. لكن القمع العربي، وفوز الإسلام السياسي الشيعي بالسلطة في إيران، قلبا المعادلة. والآن، لدينا مشكلة عميقة في قلب المشرق العربي، تهدد أيضا دول الخليج، وخصوصا السعودية والبحرين. وبات الخطر داهما بعد استيلاء الحوثيين عسكريا على اليمن المهدد الآن بالانقسام مجددا بين الجنوب والشمال، لكن على أساس طائفي؛ السنية الشافعية في الجنوب، والزيديون الشيعة في الشمال الذين يشكلون 90 % من أبناء محافظتي صعدة وحجة، ونصف سكان معظم محافظات الشمال.
يجب مواجهة وردع التمدد الإيراني الذي يغذي الانقسام ويفتت الأوطان. ويجب إعادة إيران إلى منطق الجيرة الطيبة والتعاون، وليس الاستقواء ومدّ النفوذ؛ وأكبر مثال على ذلك لبنان، حيث يصنع ذراعها حزب الله دولة داخل الدولة. لكن أيضا يجب أن نتضامن ونتصالح مع الشيعة العرب. ولنقل الحقيقة: ألا ننظر في بلداننا السُنّية الى التشيع الآن كتهمة أخطر من التصهين! حتى لا نتحدث عن الخطاب « القاعدي » المشؤوم المشحون بالعصبية الطائفية البغيضة، والاحتقار للآخر، واستهداف وجوده بالقتل والإبادة.
على هامش الصراع القائم، يجب أن نفكر أكثر في « المسألة الشيعية »!
http://www.alghad.com/articles/861470