الى متى؟ -سلام الكواكبي
Article • Publié sur Souria Houria le 13 juin 2014
خلال الأيام الأخيرة تابع السوريون، ومن في حكمهم من مهتمين بالمقتلة السورية، تصريحات « قيادات » معارضة تتحدّث عن تشكيلات سياسية جديدة تُخرج « الزير من البير » وتُعيد اللُحمة إلى صفوف مختلف التيارات المعارضة والمتعارضة. ومع تكرار السيناريو ذاته في الحديث عن هيئات جديدة وتشكيلات مختلفة وائتلافات متميّزة وتجمعات « غير شكل »، بدا وكأن مرض « القيادة » السياسية لدى « النخب » هو عُضال ولا أمل من معالجته في الأمد القريب إلا بوسائل خارجة عن إرادة (وحدود) المريض ومن يقع تأثير المريض على حياته، أي الشعب السوري.
فمنذ تشكيل المجلس الوطني السوري في بدايات الثورة السورية، وعلى حسناته وسيئاته، قام كلّ من استبعد عن المشاورات أو من لم يرق له أن لا يكون المبادر أو من لم يكن في القيادة « الحكيمة » لمبادرة إطلاقه، بكتابة المعلّقات النقدية أو اطلاق التصريحات النارية والتي ابتعدت عن تحليل الثغرات أو النواقص واكتفت بإظهار العقد النفسية.وقد تبين فيما تلى، وعلى الرغم من فداحة سير الأمور وسقوط عشرات الآلاف من الضحايا، بأن التركيز استمر على شخصنة النقد وطرح الأنا الذاتية وكأنها شعار المرحلة.
فتبارى البعض في استعراض النضالات السابقة واللاحقة والتي مفترض أن تؤهّلهم لملئ الصفوف الأولى من أية تجربة سياسية جامعة مُبتعدين عن الحس بالمسؤولية الوطنية التي تتجاوز مثل هذه التفاصيل. وساعدت وسائل الاتصال الحديثة في فتح المجال أمام مباريات الشتائم والتخوين والتبخيث والتثبيط، متناسين بأن معركتهم هي في أساسهاً ضد منظومة سياسية/أمنية تلذّذت، وما تزل، بتصدعاتهم وبتفسخاتهم وبعجزهم.
وكما كان السوريون إبّان خمسينات وستينات القرن المنصرم يفتحون المذياع صباحاً ليتعرفوا على من قام بالانقلاب الجديد، أصبحوا اليوم يهرعون إلى شاشة الكومبيوتر وإلى صفحات المواقع « المعارضة » ليعرفوا ما هي الهيئة الجديدة التي استنبطها الحسّ العالي بالمسؤولية لدى نخبهم المعارضة التي « أودعوها » ثورتهم. وصارت البيانات المعلنة عن التشكيلات الجديدة نسخة طبق الأصل عن بيانات الانقلابات العسكرية، وكررت نفسها بذات العبارات المنمّقة التي تنوّه حتماً إلى أن هذه « المبادرة » الجديدة لا تسعى أبداً، إلى إضعاف ما سبقها من تشكيلات، وإنما إلى « رفد » المشهد السياسي بدماء جديدة (متنوّرة وواعية) لتحديات المرحلة. ولا تنسى في ختامها من تمني الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى والحرية للمعتقلين وكأنها لازمة كتابية تطبعها أجهزة الكومبيوتر تلقائياً.
جُلّهم خريّجوا نفس المدرسة السياسية « الزاجلة »، وأغلبهم تربّى على أدبيات أحزاب « عقائدية » وإيديولوجيات « كلامية » بعيداً عن الممارسة السياسية رغماً عنهم في عقود الرصاص والتصحير السياسي السابقة. هم إذاً ضحايا كما الشعب بأكمله. ولكن خطيئتهم، هي في الادّعاء بإمكانيتهم السحرية على اختراع الدولاب إن هم تقدموا الصفوف. وعجزهم، هو في رفضهم للعمل الجماعي ولتجاوز الخلافات الصغيرة والذاتية المفرطة، ونقصهم هو في استبعادهم للقوى الشابة التي كانت وما تزل عماد الحراك الوطني ولن يكون هناك بناء مجتمعي وسياسي واقتصادي دونها في المستقبل مهما ابتعد.
إذاً، عاد الحديث في الساعات الأخيرة عن هيئة جديدة وبدا اللغط حول ضرورتها وأهداف إطلاقها في هذه المرحلة. وإذ بنا نكتشف لاحقاً بأن الضوء الذي كان مائلاً للاخضرار تحوّل إلى الأحمر وسُحبت « التوصية » بتفتيت الهيئة المعارضة القائمة من جديد، والتي استطاعت على علاّتها وهنّاتها واختلالاتها، تأدية دور إيجابي نسبياً في الأشهر القليلة الماضية. وقام من سرّب الأخبار بنفيها والتنديد بمن نشرها.في هذه الأثناء، فإن ضعف الأداء الخارجي المُصاحب بانعدام الأداء الداخلي، يُبقي السوريين في حالة انتظار لاستيقاظة الوعي الوطني الجامع بعيداً عن الأنا الذاتية المتضخّمة والآيلة للانفجار.