بأيّ عَلَم يتوشّح «محبوب العرب»؟ – موسى برهومة
بأيّ عَلَم يتوشّح «محبوب العرب»؟ – موسى برهومة
لم تكن مفتعلة تلك الحيرةُ التي هيمنت على «محبوب العرب» الشاب السوري حازم شريف لدى إعلان حصوله على المركز الأول في البرنامج الغنائي الجماهيري «أراب أيدول» الذي تبثه محطة «أم بي سي». فبأي علم يتوشّح الفائز القادم من مدينة حلب التي حوّلتها آلة نظام القتل الأسديّ إلى أكوام من ركام يجأر فيها الموت والجحيم؟
كانت لحظة تشي بالتمزّق العميق، كما تشي بالتباس الحالة السورية الراهنة التي تفتّتت حتى أضحت مشهداً فسيفسائياً وسوريالياً عصياً على التحديد والقبض والمعنى، فلا النظام بترسانته المتوحشة، وهمجيته غير المسبوقة قادر على أن يجعله يرفع عَلمه، بعدما صار هذا العَلم في عرف العالم، عَلم النظام، ورمزاً يشير إلى «شرعيته»، ولا هو قادر على أن يرفع علم «المعارضة» التي غدت معارضات كثيرة باستقطابات كثيرة ومرجعيات تندّ عن الحصر، «وكل يدّعي وصلاً بليلى…».
ولمّا كانت التقاليد «غير المسمّاة» تذهب إلى ضرورة أن يتوشّح الفائز بعَلم، وبسبب خشونة المأزق، راحت المطربة الإماراتية أحلام، تلفّ العلم السعودي على أكتاف «محبوب العرب» الذي غنّى بصوته المجروح: «لكتب اسمك يا بلادي، عالشمس اللي ما بتغيب»، قاصداً التعميم، لا التخصيص، لأن البلاد ليست مُلك الطغاة وهواة إلقاء البراميل المتفجرة، بل ملك جميع السوريين والعرب الذين صوّتوا لهذا الشاب الموهوب ذي الحنجرة الصادحة.
لحظة عري الأكتاف من العلم السوري كانت كثيفة الدلالات، وباهظة التكاليف، فالشاب العشريني أصغى الى حدسه، وأوصل رسالة بالغة المعاني بأن النظام ورايته لا يمثلانه، وكذلك لا تمثله رايات المعارضات التي تتسع من الشيوعي إلى الليبرالي وتمتد حتى «داعش» و «القاعدة» و «النصرة» وأخواتها الكثيرات بأعلام ورايات وجماجم ولحى كثّة… ودم غزير في الشوارع. بهذا المعنى يمكن قراءة اللحظة السورية الراهنة، وعلى هذا النحو نستطيع أن نحدّق أكثر في المأساة التي أسفرت عن ملايين القتلى والضحايا. إنها لحظة قاسية ومدمّرة أن ينتقل الألم الذي لا يضاهى خبرا مألوفا في نشرات الأخبار، وأن يجرى التفاوض على سورية بمنأى عن سورية نفسها، وعن ضميرها، ومن يمثلها، ويمتلك برنامجاً واضحاً للخلاص.
فليذهب الأسد إلى الجحيم. لكنه إن ذهب فسيفعل ذلك لا مكرهاً كما كنا نأمل، بل في صفقة تفاوضية قد تجعله في منأى عن المساءلة كـ«مجرم حرب» بجدارة واستحقاق. وإن ذهب، بعدما ترك سورية أرضاً محروقة، فهل ستتمكّن «المعارضات» من تدبّر أحوال اليوم التالي لرحيله، أم سيؤول الأمر إلى دولة الأسد العميقة التي يتبدّل فيها الأسد بأسد آخر لا يقل عنه دماراً؟
تُركت سورية نهباً للطامعين واللاعبين، واستولت الخلافات المستصغرة على «القادة» في ائتلاف المعارضة الذين دفع بعضهم أعماره في سجون النظام. لكنّ هذه التجارب المرّة لن تثمر سوى مزيد من الخلافات والتفكّك والارتماء في أحضان الآخرين، كأن سورية ليست بلادهم، كأن بشار الأسد أصابهم بلوثة اللاإنتماء، كأنهم لم «يلعبوا» سياسة من قبل، كأنهم لا يعرفون معنى التنازل والتفاوض في ما بينهم، لحماية ما تبقى من أرواح يزهقها قادة نظام التوحش في دمشق وهم يستمعون الى جورج وسّوف يغني بصوته الأجشّ «لسه الدنيا بخير يا حبيبي»!