خلاف النظام السوري مع الميادين والمنار- سليم البيك
Article • Publié sur Souria Houria le 17 avril 2014
خدمت قناتا «الميادين» و «المنار» النظامَ السوري في حربه على سوريا شعباً وعمراناً بما لا يمكن مقارنته مع ما قدّمته القنوات السورية الرسمية كـ «الإخبارية السورية» و«سما» (أو الدنيا)، «الميادين» للشكل «القومي» الذي حاولت به تقديم/تزييف المسألة السورية للمشاهد، و «المنار» للشكل «المقاوم» الذي حاولت تقديمه/تزييفه. في مقابلهما فإن ما تقدّمه القنوات الرسمية السورية يعود وبالاً على النظام كونها تُقاد بعقل أمني، أو أساساً كون الإعلام الرسمي لم يعرف غير العقل الأمني كـ «محرّر» لما يصدر عن شاشاته طوال حقبة آل الأسد.
قبل أيام وبقرار من وزير الإعلام، ما عادت القناتان قادرتين على البث المباشر من سوريا دون تصريح رسمي وموافقة أمنية، فحملتا عدّتهما وغادرتا دمشق، كما أوقفت «الميادين» برنامجها الأسبوعي «حديث دمشق» وسحبت مراسلتها (أو أُجبرت على سحبها) وقلّصت تغطيتها الإخبارية عن سوريا، أي «حردت» بعد كل ما قدّمته للنظام، (حقها!).
هناك من قال بأن ضغوطات أمنية مورست على وزارة الإعلام لاتخاذ هذه التضييقات على القناتين كونهما باتتا تسبقان القنوات الرسمية إلى أماكن الاشتباكات والمناطق «المستعادة»، إضافة إلى بثّهما صوراً حصرية سيُحرَج النظام (سياسياً وأمنياً وعسكرياً وإعلامياً) بنقل إعلامه الرسمي للصور عن القناتين اللبنانيتين/الإيرانيتين. هنالك من أرجع السبب إلى أن «المنار» بالغت في توصيف «النصر» بأنه لعناصر حزب الله (وهو حقيقة) دون الإشارة للجيش السوري، بل تم تناقل طرفة أن عناصر «حالش» (المعروف بحزب الله) تمنّوا لو أن جيش النظام كان حاضراً ليشاركهم احتفالات «النصر» بعد «التحرير».
أما التحليل السياسي فيقول بأن التقارب الإيراني الأميركي (المفترض) حتّم على النظام وضع حد لصولات وجولات القناتين الإيرانيتين (بقدر ما هما لبنانيتين أو يزيد) تحسّباً لاتفاق بين إيران وأميركا يكون على حساب تحالف الأولى مع النظام، ما سينعكس حتماً على الخط التحريري للقناتين، كما سينعكس على الاحتلال العسكري لحزب الله للأراضي السورية. وهنالك تحليل آخر فسّر الانتقادات التي طرأت فجأة على وسائل الإعلام اللبنانية التابعة لإيران، بأنها تنبيه إيراني لسوريا عبر أبواقها (القناتان إضافة لصحيفة الأخبار) بعد استشعارها بمحاولة النظام السوري الإفلات بجلده ومقايضة محور «الممانعة» بأي فتات قد تقدّمه الدول الغربية تحول دون هلاكه.
بعد ساعات من ذلك القرار بالتضييق ظهر وزير إعلام النظام عمران الزعبي على «المنار» ليقول أن الأمر مجرد تنظيمي (لم أفهم قصده!)، كما ظهرت المستشارة الإعلامية للأسد بثينة شعبان لتنفي انتقادات نُسبت إليها تجاه القناتين.
قد تكون كل التحليلات المذكورة صحيحة بنسب معينة. لكن على أرض الواقع، أين موقع كل من الزعبي وشعبان في دائرة صنع القرار في النظام؟
لي رأي في ما حصل يُضاف (دون أن ينفي) إلى ما سبق وتم ذكره، نعرف أن النظام عبارة عن مجموعة شبكات أمنية (وضّح ذلك ميشيل كيلو في إحدى مقابلاته)، قادة هذه الشبكات هي المتحكّمة في مفاصل البلد، و «رئيس مجلس إدارة» هذه الشبكة هو غسّان بن… هو بشار الأسد نفسه، رجل الأمن الأعلى في سوريا. ولطالما كان الوزراء السوريون، هرمياً، أسفل قادة الأجهزة الأمنية، أي المخابرات.
إعلامياً، لدى النظام حاجة دائمة وملحّة للقناتين. أما أمنياً، فلا حاجة لأي وسيلة إعلامية لا يتحكّم بها رجل الأمن بشكل مباشر، بل يكتب تقاريرها بنفسه إن تطلّب الأمر، والتي قد لا تختلف عن التقارير المخابراتية التي يرفعها العنصر إلى مسؤوله.
فالقرار أمني أكثر مما هو سياسي، ورجل الأمن (السوري قبل غيره) لا يقيم اعتباراً للضرورات الإعلامية أو السياسية إن لم تناسب ضروراته الإمنية. وقد يُحدث ذلك خلافات داخلية حادة ضمن أقطاب النظام السوري: رجال الأمن ورجال السياسة. وإن عادت القناتان إلى دمشق لتنقل بالبث المباشر متى وأينما شاءت فلن يكون ذلك انتصاراً للسياسي في النظام على الأمني بقدر ما يكون مساومة حاصلة بينهما، وإن بقي الأمر على حاله يكون انتصاراً للأمني.
للتذكير، لا نحكي هنا عن إعلام محايد، بل عن «المنار» العقائدية الحزبية شريكة النظام في إراقة دماء السوريين وهي الناطقة باسم «حالش». كما نحكي عن «الميادين» الناطقة باسم «رئاسة الجمهورية» في سوريا بقدر ما ولاية الفقيه في طهران راض عن هذه «الرئاسة».
من كل ذلك يمكن إدراك التالي: ما لقيتاه القناتان كوسيلتا إعلام (وإن يستميتان للدفاع عن النظام) من العقلية الأمنية المتحكمة بسوريا يمكن أن يكون مقدّمة لفهم كيفية تعامل العقلية الأمنية ذاتها بما تملكه من أدوات بطش، تعاملها مع مثقّف كتب رأيا في صحيفة تكون أساساً ممنوعة في سوريا، أو تعاملها مع طفل كتب «حرية» على جدار مدرسة، أو ناشط نشر صورة وفيديو لمظاهرة تنادي بما كتبه المثقف أو الطفل، أو بسوري طالب صراحة بإسقاط النظام في مظاهرة تمّ تصويرها.
العقلية الأمنية التي يمكن أن تمنع شركاء حرب كـ «الميادين» و«المنار» من البث المباشر هي ذاتها وبتوافق تام مع تاريخها وبالقياس على ذلك، لا يُنتظر منها غير السكود والبراميل والكيماوي والميغ على قرى ومدن سورية خرج أهلها مطالبين بالحرية.