داعش 2015: كرة الثلج الدامية؟ – صبحي حديدي
يجمع المراقبون، ولا تكف الوقائع اليومية عن البرهنة، على أنّ صعود «داعش» كان حدث العام 2014 الأبرز؛ وليس من المبالغة القول إنّ هذا التنظيم الجهادي، المتطرف والدموي، سوف يظل الأبرز أيضاً في العام 2015، بل سيزداد تطرفاً ودموية، بحكم المنطق الجيو ـ سياسي الإقليمي العامّ، وكذلك بسبب المنطق الخاصّ الذي كان وراء صعود التنظيم، بعد كبوات متلاحقة، ابتداءً من حزيران (يونيو) الماضي حين تمكن «داعش» من اجتياح الموصل وإلحاق هزيمة بالجيش العراقي، كانت شنيعة، وسريعة على نحو دراماتيكي.
وعلى غرار كرة الثلج، التي تتضخم وتستجمع أثناء انحدارها، تعاقبت على امتداد العام الماضي مظاهر «مبايعة» التنظيم، سواء على صعيد منظمات جهادية متشددة، هنا وهناك في أرجاء العالم الإسلامي؛ أم على صعيد الأفراد، المتقاطرين من خارج سوريا والعراق أساساً، وبينهم أعداد لافتة من أبناء الجاليات المسلمة في أوروبا، إلى جانب متطوعين عراقيين وسوريين أيضاً. وليس من المرجح أن تتبدّل، كثيراً أو جوهرياً، سلسلة الدوافع التي اجتذبت هؤلاء الأفراد إلى «داعش»، خلال السنة القادمة؛ بل لعلّ العكس هو الذي سيكون صحيحاً، إذْ نجح التنظيم في إعادة شحن الحمية من حول فكرتَي «الخلاف» و»الدولة الإسلامية»، خاصة بعد بدء الغارات الجوية للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، حين لاح، في ناظر شرائح واسعة من الجمهور المسلم، أنّ تلك العمليات لا تستهدف «داعش» فقط، بل تخدم في نهاية المطاف الحكم الفاسد والطائفي في العراق، والنظام الميليشياتي والفاشي في سوريا.
كذلك كانت موارد «داعش» ـ المالية المتأتية من المتاجرة بالنفط، والتسليحية الناجمة عن الغنائم الهائلة من الجيش العراقي ـ مصدر جذب لفئات من المقاتلين، في صفوف الشباب خاصة، ظلوا طويلاً منضوين في تنظيمات غير صديقة لـ»داعش»، سواء وحدات الجيش الحرّ والتنظيمات الإسلامية في سوريا، أو التشكيلات المنبثقة عن «القاعدة» في العراق وسوريا؛ حتى جفّت الموارد، وندرت الذخائر، وتوجّب البحث عن أية جهة تؤمّن الطلقة والخبز اليومي. فكيف وقد اتضح أنّ «داعش» قادر على خوض قتال، حتى إذا كان متفاوت النتائج عسكرياً، على جبهات متعددة متباعدة، في وقت واحد: من الموصل إلى بيجي في العراق، ومن كوباني إلى السلمية في سوريا!
وإذْ ستواصل كرة الثلج الداعشية انحدارها على هذه الجبهات (التي تجاوزت، ذات يوم، 14 جبهة، دفعة واحدة!)؛ فإنها سوف تستقطب المزيد من مشاعر الإحباط التي تستولي على السوريين بخاصة، وكذلك على العراقيين، وربما العرب والمسلمين على نطاقات أوسع، إزاء انحطاط مواقف الدول الكبرى، وازدواجية مواقفها من قضايا الشعوب، وصمت بعضها عن الفظائع التي ترتكبها أنظمة الاستبداد والفساد، وتواطؤها في المقابل مع جرائم إسرائيل في غزّة… وذاك استقطاب ينتهي إلى صالح «داعش»، غني عن القول: بنيوياً، أوّلاً، لأنه يرفد التنظيم بأعداد متنامية من المتطوعين خائبي الرجاء والمحبطين والساخطين؛ وعقائدياً، ثانياً، لأنه يضع «داعش» في مرتبة الضحية «المسلمة»، التي يستهدفها تحالف دولي من قوى كبرى «مسيحية» أساساً، حتى إذا ضمّت دولاً عربية؛ وسياسياً، ثالثاً، لأنه يقيم طرازاً من التوازي الموضوعي بين أنظمة فاسدة ومستبدة وقاتلة مسلّحة حتى النواجذ ومدعومة من جهات إقليمية ودولية عظمى، وتنظيم وليد وحيد حديث العهد، يعتمد على ذاته، ويُعدّ مقاتلوه بعشرات الآلاف فقط.
وكيف، والحال هذه، لن تواصل كرة الثلج الداعشية انحدارها، في العام 2015، إلا على الأنساق الوحيدة المطابقة لمنطق نشوئها وصعودها وتمكّنها: ديماغوجية، ظلامية، هوجاء، عنفية، وحشية، و… دامية!