صحافي بريطاني ينقل مشاهداته من حلب: الثوار السوريون يعلمون أنهم وصلوا إلى نقطة اللاعودة
حلب – – « نقطة اللاعودة ». هكذا عنون الصحافي البريطاني مارتن شولوف مقاله الذي تصدر الصفحة الأولى من الملحق الأسبوعي لصحيفة « الغارديان » البريطانية، وهذا ما أكده في لقاء مع صحيفة « الشرق الأوسط » التي التقته في لندن، وقال مارتن الذي قضى 15 يوما في سوريا في زيارتين قام بهما الشهر الماضي إن من أهم ما لاحظه وأثر فيه إنسانيا هو ما عبر عنه بقوة الإحساس بـ »الكرامة » لدى المعارضين، موضحا أن ذلك يحدث « خاصة في المناطق الريفية، فهم لا يمتلكون أموالا، فقط بعض السلاح، ولا مستقبل واضحا، ويعلمون أن المسألة مسألة حياة أو موت، وأنهم إما سينتصرون ويحصلون على كل شيء وإما سيخسرون كل شيء، وقبلوا ذلك بكل كرامة، وهم يعلمون جيدا وواعون بما يواجهونه، ويعلمون أنهم بدأوا طريقا، وإذا لم ينهوا ما بدأوه فهذا يعني نهايتهم. فهذه ثورة النصر أو الموت بالنسبة لهم ». وقال شولوف إنه لاحظ هذا الأمر في كل الأماكن التي قام بزيارتها خاصة حمص، وريف إدلب، وجبل الزاوية، وحلب، حيث تردد الصحافي البريطاني ومراسل « ذي غارديان » المتخصص في قضايا الشرق الأوسط على سوريا ست مرات منذ شهر فبراير (شباط) الماضي. وقال إنه كان دخل عبر الحدود اللبنانية خمس مرات لكن في زيارته الأخيرة دخل عبر الحدود التركية، لأن الجيش الحر أصبح يسيطر على منطقة حدودية اسمها « باب الهوى » وأصبح الأتراك يسمحون بالانتقال إليها إذا أطلعتهم على جواز سفرك. وأكد شولوف أن هذا الكلام بدأ منذ نحو شهر فقط، وأنه في الماضي كان العابرون نحو سوريا يضطرون في الغالب للقفز من فوق الأسوار.
وحول المسموح لهم بالعبور، قال مارتن إنه إلى جانب الإعلاميين وعمال الإغاثة يسمح للسوريين الذين يحملون جوازات سورية، موضحا أن « هذا لم يكن مسموحا به في الماضي حيث كانت السلطات السورية هي التي تسيطر على الحدود، وخاصة من الناحية التركية ».
وأضاف المسؤول عن شؤون الشرق الأوسط في « ذي غارديان »، أن « هذه المرة هي الأولى التي أصبح ممكنا لنا اجتياز الحدود عبر (باب الهوى) و(باب السلام)، ومنذ نهاية يوليو (تموز) أصبح الجيش الحر يسمح بتجاوز الحدود، ثم توخت السلطات التركية نفس الإجراءات ».
وحول مسألة التأكد من الولاء للمعارضة للسماح بالعبور، قال مارتن: « في الواقع لست متأكدا من هذه المسألة لأنه ليس لديهم أجهزة كومبيوتر تحمل قوائم أسماء توجهاتهم واضحة، وما يبدو هو أنهم يسمحون للمدنيين بالدخول والخروج، ممن ليس لهم ملفات استخبارية حولهم ».
وحول صحة ما سبق أن صرح به معارضون سوريون لـ »الشرق الأوسط » في وقت سابق من أن المساحة المحررة بين إدلب والحدود التركية نحو 250 كلم، أجاب مارتن « لا، بل أعتقد أن نحو 60 كلم محررة، ولا توجد أي منطقة محررة كليا، وخاصة أن القوات السورية موجودة دائما عبر الجو من خلال الطائرات الحربية، ولكن هناك مناطق مثل الريحانية وإدلب وجبل الزاوية ليست محررة كليا، فأحيانا يقوم النظام بما يسمى الحواجز الطيارة، وهي حواجز متنقلة تقام لساعة أو ساعتين ثم تتنقل نحو مكان آخر، ويحاول أن يكون موجودا دائما من خلال الجو، إنها مناطق آمنة إلى حد ما لكن لا يمكن الجزم بأنها محررة كليا ».
وبخصوص الوضع في حلب وما يشاع عن أن من يمتلكون المال وأثرياء البلاد غير سعداء بما يحدث في الثورة، وأن فقراء حلب يرون أنها ثورة طبقية، قال الصحافي البريطاني إن « ريف حلب وأحوازها هي مناطق فقيرة بالفعل، وإنهم مناصرون تماما للثورة، لكن وسط المدينة ليس فعليا مع الثورة، الثوار يسيطرون على ما بين 50 و60 في المائة من المدينة، لأن النظام لا يمكن أن يدخل، وفي الجانب الغربي من المدينة النظام ما زال يسيطر عليها »، وأضاف قائلا « ونحن كصحافيين لم نتمكن من الدخول إلى غرب حلب لأننا لم ندخل البلاد بالتأشيرة ومن الصعب فعلا الدخول واجتياز الحواجز الأمنية التي يقيمها النظام هناك ».
وأضاف قائلا: « لدي معلومات من الناس الذين تحدثنا إليهم أن غرب مدينة حلب ما زال مع النظام وهو الجانب الذي يضم المنطقة التجارية، وأن الناس هناك وخاصة التجار كانوا يفضلون مواصلة عملهم بشكل طبيعي ولم تكن لديهم رغبة في أن تصل الثورة لهم ».
وعند سؤاله عن رأيه حول إمكانية استعادة النظام لحلب أو أن النصر سيكون من نصيب الثوار فيها، قال شولوف إنه « من الصعب الإجابة عن هذه المسألة، الناس وسط المدينة سيقولون إنهم لم يسألوا الثوار أن ينقلوا الثورة إليهم، والصراع انتقل إليهم من ريف حلب الذي يناصر وبكل قوة المعارضين. ولا أعتقد أنه من الممكن أن تسقط حلب إلا إذا تمكنت المعارضة من إثبات شيئين، أولهما أنه يمكنهم تأمين انتصار عسكري وسريع، وحسب معاينتي للأحداث أرى أن هذا الأمر غير ممكن حاليا. والحل الثاني هو ضرورة إيجاد بديل جدي للنظام في حلب لكن أعتقد أنه رغم أن المدينة لم تلق معاملة مميزة من النظام لكنها في الماضي لم تعان منه كما كان الشأن بالنسبة لمناطق سورية أخرى، لكنهم يعانون الآن ».
وحول إمكانية تواصل الحياة بشكل عادي في حلب حتى بالنسبة لمن يوالون للنظام، قال مارتن « أثناء زيارتي كان كل شيء مغلقا لكن بعد الظهر تفتح بعض المحلات لبيع الخضر والغلال، لكن كل المحلات التجارية الأخرى مغلقة، والطرقات خالية، ولا أحد كان يعمل، لم أر ناسا، كنت فقط ترى أشخاصا من وقت لآخر. وكان أغلب الناس حسب رأيي يجلسون في منازلهم داخل غرف مظلمة لأني لم أر أحدا. كان شرق حلب ووسطها عبارة عن مدينة أشباح ».
وحول العودة المدرسية ووضع المدارس خاصة بعد أن تحول أغلبها لثكنات، أو قواعد للمعارضة، قال إن « الموسم الدراسي سيبدأ بالتأكيد في الأرياف، فالمدارس هناك ليست مدمرة بشكل كبير، لكن مدينة حلب ستكون فيها مشاكل كبيرة، فالمدارس تستعمل من طرف القوات النظامية، ومن طرف المعارضة أيضا كقواعد، وأحيانا كمخابئ للأسلحة ولا يمكنني تصور بداية المدارس هناك، والمدينة تعيش حالة من الجمود، الناس لا يذهبون للعمل، والخدمات العمومية متوقفة فكيف يعود الأطفال للمدارس؟! هذا مستحيل ».
وحول طريقة حياة الناس اليومية قال مارتن إن « الماء حتى الأسبوع الماضي كان موجودا ويمكن أن تشرب من الصنبور، والكهرباء متوفرة لمدة 12 ساعة في اليوم ولكن في مناطق المواجهات والاشتباكات لم تكن تعمل على الإطلاق. والأكل يعتبر مشكلة وهناك فقط بعض المزودين، وبالنسبة للخبز خاصة كانت هناك دائما طوابير بمعدل انتظار يصل إلى ساعة ونصف الساعة، وغالبا ما كان يتم توفير الأغذية من أطراف المعارضة الذين كانوا يتعرضون للقصف من القوات النظامية، وكانوا يزودون الخبز مجانا، لكن المشكلة أنه لا يتم تزويد حلب بأي منتوجات من دمشق لأن النظام قطع كل الطرق أمام المزودين، وهذه مشكلة عويصة، وحتى تهريب الغذاء عبر المناطق الجبلية لن يكون أمرا سهلا، فإذا لم يتم تأمين المواد الغذائية وإدخالها من الجانب التركي مثلا فبعد شهر فقط من الآن لن يجد سكان حلب ما يأكلونه، فالناس يعيشون بطريقة التعاون ولكن الأغذية بالتأكيد ستنفد ».
وعن إدلب قال إن « الناس في إدلب لديهم العديد من المزارع، وكذلك في جبل الزاوية، ولهذا فالوضع أسهل عليهم لكن قد تبقى مشاكل الخبز، والناس يستفيدون من المزارع المحيطة بهم لكن هذا لا يعني أنهم لا يعانون ».
وقال شولوف إنه في حلب كانت مظاهر الحرب لا تهدأ أبدا، « ففي صلاح الدين لا يمكنك أن تغفل لدقيقة على أنها كانت في حالة حرب، والمدرعات موجودة تحت البنايات، وفي المناطق السكنية، تقريبا في كل مكان. والطائرات الحربية كانت تحوم وتقوم بالقصف المتواصل والناس على الأرض يحاولون إسقاطها، كنت ترى الطائرات كل خمس دقائق تقريبا وإذا لم ترها فأنت تسمعها، والمدينة كانت فارغة تماما من الناس ».
وعن المدنيين قال مارتن « لقد هربوا جميعا وقد شهدت بعضهم عند مغادرة حي سيف الدولة حاملين ما استطاعوا من أغراض في أكياس بلاستيكية، لكن المشكلة أنهم لا يستطيعون الهرب بعيدا لأن سعر البنزين يبلغ 4 دولارات للتر الواحد الآن. وتقريبا لم يكن أحد موجودا هناك، بقيت أسبوعين ولم أر أكثر من 200 مدني، شرق حلب ».
كما تعرض مارتن شولوف في مقابلته مع « الشرق الأوسط » للحديث عن إحدى الكتائب التابعة للجيش الحر والتي عاش معها في حلب لأيام والتي تدعى « كتيبة الأنصار » في منطقة الباب بحلب، مؤكدا أن هذه الكتيبة ذات التوجه الإسلامي لا تنتمي للإخوان، وقال: « لقد تمكنوا من أسر 30 عنصرا تابعين للنظام بعد اشتباكات دارت بينهم في مبنى أمني في الباب، عندما كنت أقيم معهم، ووضعوا الأسرى في الطابق الأعلى لإحدى المدارس التي كانوا يستعملونها قاعدة لهم، وأعطوهم مراتب ليناموا عليها، وكانوا يعطونهم ثلاث وجبات في اليوم، ومع الأسرى كان هناك ثلاثة علويين ومجموعة من الشيعة، وكل يوم كانوا يطلقون سراح واحد منهم بعد أن يتصلوا بعائلته، ويقولون إنه يمكنكم القدوم وتسلم ابنكم ». وأضاف أنه حضر أحد الاتصالات قائلا « وكانت إحدى المكالمات التي شهدتها بنفسي بين ضابط علوي كان اسمه دريد وشيخ الكتيبة الذي كان شابا (عصريا) متمدنا، واسمه الشيخ عمر عثمان، وكان يتحدث دائما للأسرى. لكن في أحد الأيام كان جالسا على إحدى المراتب على الأرض ويتحدث لأحد الأسرى وهو علوي واسمه بركات، وتحدثا عن عدة مواضيع تخص الاشتباكات ومواضيع أخرى، ثم قال الأسير العلوي (إنها الحرب) ثم بدآ يضحكان معا، ثم قال له الشيخ: متى كانت آخر مرة رأيت فيها عائلتك؟ وأجاب بركات: (منذ خمسة أشهر)، ثم سأله: ومتى كانت آخر مرة رأيت فيها زوجتك؟ وحاول أن يخفي بركات مشاعره لكن لم يتمكن وبدأت دموعه بالانهمار، وقال: ومتى رأيت أطفالك آخر مرة؟ فلم يتمكن من الإجابة، فقال عمر عثمان: يمكن أن تراهم اليوم، يمكنك الانصراف نحو بيتك. وأعطاه مليوني ليرة، وهي تعادل 600 دولار، وانصرف الضابط العلوي وهو يجدد شكره ويقول: (لم نكن لنعاملكم كما عاملتمونا أبدا، أشكركم كثيرا، لقد علمتمونا الكثير). ونقلوه إلى إحدى القرى قرب إدلب ثم انصرف نحو عائلته. وبعد ثلاثة أيام اتصل هو وزوجته بالشيخ وشكروه. وكان لهذا الشيخ، عمر عثمان، رؤية واضحة جدا وهي أنهم يجب أن يكونوا أفضل من النظام إذا أرادوا أن يؤمن الناس بهم، وذلك بأن يعاملوا الناس بشكل عادل، وأرسلوا الجميع إلى بيوتهم إلا شابين علويين، وهما اللذان رفضا العودة إلى ديارهما وقررا البقاء في المدرسة لخدمة الجماعة هناك بما في ذلك تنظيف وصيانة الأسلحة، وقد عوملا بكل كرامة، وقالا: إذا عدنا إلى بيتنا فلا أحد سيثق بنا لأننا بقينا هنا لمدة خمسة أسابيع حتى نهاية الثورة، وأننا إذا عدنا الآن يجب علينا الهروب والاختباء، فالنظام لن يتركنا ».
وعن رأيه في « كتيبة الأنصار »، قال مارتن إنه « رغم أنهم يحملون اسما إسلاميا لكنهم متفتحون تماما وعصريون، وجنودهم ينتمون للطبقة الكادحة. وبالنسبة للشيخ ووالده فقد كانت رؤيتهما واضحة ». وضرب مثالا على ذلك أنه « في أحد الأيام جاء أحد اليهود وقدم نفسه على أنه يهودي واستقبلوه بشكل جيد، وكان تركيا، وقدم نفسه على أنه ممن يقدمون مساعدات إنسانية فرحبوا به وقالوا إن المسلمين واليهود والنصارى إخوة. كانوا يبحثون عمن يمكنهم التواصل معهم وليس عمن يقاطعون ».