لعبة نظام الأسد.. ولعنته! – منار الرشواني
وفقاً لكثير من المصادر، يبدو المشهد في سورية
حالياً تماماً كما أراده نظام بشار الأسد منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة السورية سلمياً. فالفصيلان الأقوى في مواجهة قوات هذا النظام (والتي تضم مليشيات شيعية متعددة الجنسيات)، هما تنظيمان مدرجان على قوائم الإرهاب في دول العالم كافة؛ « جبهة النصرة » التابعة لتنظيم « القاعدة »، وتنظيم « داعش » المنشق عن « القاعدة ».
وبافتراض تمام دقة هذا التوصيف، يبدو السؤال الأهم هنا: هل يخدم فعلاً هكذا واقع نظام الأسد الآن؟
كانت « لعبة » النظام عند اندلاع الثورة السورية، هي إقناع الخارج أساساً، بأن الخيار في سورية هو بين نظامه وبين التنظيمات الإرهابية، حتى عندما كانت هذه الثورة شعبية، تقوم على محض مطالب إصلاحية وبأدوات سلمية خالصة. وإذ صدّق النظام كذبته، فقد تعامل فعلاً مع السوريين جميعاً، وعلى امتداد قرابة أربع سنوات، باعتبارهم إرهابيين؛ مستخدماً القتل والاعتقال والتهجير الجماعي. لكن بذلك تحديداً أجهز هذا النظام بنفسه على فرصة أن يكون بديلاً للتنظيمات الإرهابية الحقيقية لدى الشعب السوري.
هذه الحقيقة يؤكدها -وبما يجيب عن السؤال السابق بشأن استفادة نظام الأسد من صعود التنظيمات المتطرفة- أن ضعف فصائل المعارضة المسلحة الموصوفة بـ »المعتدلة » أو حتى « العلمانية »، لم يصبّ أبداً في صالح النظام، بل العكس تماماً؛ إذ جاء في مصلحة « جبهة النصرة » وحتى « داعش ». فأحد أهم أسباب ضعف فصائل المعارضة المسلحة الأخرى هو التحاق مقاتليها بتنظيمي « القاعدة » السابقين، والدافع في الغالب هو الدفاع عن النفس في مواجهة جرائم النظام التي تتصاعد بلا توقف. ومثل هذا لا يشكل سابقة أبداً. فالعراقيون استقبلوا تنظيم « داعش » استقبال الفاتحين في الموصل، رغم كامل معرفتهم بفظائعه في سورية على الأقل؛ ذلك أن كل ما كانت تقدمه لهم حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، هو الموت فقط، بعد إهدار الحقوق والكرامة والتنكيل.
هكذا، يبدو الجانب الأخطر، أو اللعنة التي جلبها نظام الأسد على نفسه، عبر « نجاحه » في إلحاق السوريين بتنظيم « القاعدة »؛ « جبهة نصرة » أم « داعش »، وبالتالي إحكام حلقة « اللعبة الصفرية » التي بدأها هذا النظام ذاته.
إذ يبدو واضحاً تماماً اليوم أن هذا النظام، ومع الدعم المطلق من حلفائه؛ إيران وحزب الله وروسيا، لم يعد قادراً على الانتصار في هذه « اللعبة الصفرية ». وأقصى إنجاز نراه الآن هو استمرار بشار الأسد في منصب الرئيس، لكن مع حرب تدمير شامل لسورية، واستنزاف للسوريين جميعاً بكل طوائفهم. وهنا تحديداً، يكاد يكون النظام أخطر أعداء حاضنته الاجتماعية، بل وقاتلها الصامت.
والخشية الحقيقية في ظل تواصل الاتجاه الحالي، أن لا تجد روسيا وإيران، المتحكمتان بمصير الأسد، من تتفاوضان معه على الحل السياسي، حين تدركان فعلياً -وليس لفظياً وكسباً للوقت كما يحدث الآن- أن هذا الحل هو المخرج الوحيد من الأزمة السورية.
لم تعد « لعبة البديل » في سورية (وكما ثبت في حالة العراق)، قابلة للاستمرار وفق المعطيات الحالية؛ أي بين إرهاب « القاعدة » وتفرعاتها وبين إرهاب النظام، فهنا تنتصر « القاعدة » بأشكالها المختلفة. وهي ستظل تنتصر، إلى حين خلق بديل حقيقي لها؛ أي ذاك القائم على احترام إنسانية الإنسان، حاضراً ومستقبلاً.