لماذا قصف « داعش سورية » الآن؟ – منار الرشواني
يذكر الجميع غالباً، ارتباك وزير إعلام نظام بشار الأسد، عمران الزعبي، إبان مشاركته في مؤتمر « جنيف2 » في كانون الثاني (يناير) الماضي، ورفضه الإجابة عن السؤال الذي طرحه عليه صحفي أربع عشرة مرة على الأقل: « لماذا لا تضربون مقرات داعش في الرقة؟ ». أهم من ذلك وأقرب تاريخاً، صمت النظام المريب، إلا من غارات خجولة غير مؤثرة أبداً، عن المجازر التي ارتكبها التنظيم بحق الجنود والضباط والتمثيل بجثثهم، عقب سيطرته على مقر « الفرقة 17″ في تموز (يوليو) الماضي، و »اللواء 93 » في آب (أغسطس) الحالي، إلى الحد الذي أدى، بحسب تقارير صحفية، إلى اضطرابات في منطقة الساحل السوري، معقل النظام، بسبب إهمال مصير العسكريين في الرقة، وحتى التواطؤ فساداً، بحسب اتهامات، على قتلهم والتنكيل بهم.
الآن، يتم الحديث عن غارات جوية متواصلة تشنها طائرات النظام ضد « داعش » في الرقة، قدرت بعض وسائل الإعلام بأنها بلغت قرابة مائة غارة يوم أول من أمس. فما الذي تغير حتى قرر النظام التدخل أخيراً ضد التنظيم؟ إنه التدخل العسكري الأميركي، والغربي عموماً، ضد « داعش » في العراق.
هنا قد يكون التفسير الأول لتحرك نظام الأسد الآن ضد « داعش »، وجود تنسيق بينه وبين الولايات المتحدة وحلفائها، بحيث لا يستطيع التنظيم العودة إلى سورية لحماية مقاتليه ومعداته المتطورة التي غنمها من الجيش العراقي، وبينها دبابات وصواريخ ومضادات طائرات. علماً أن نظام الأسد الذي يبرر مناصروه تدميره سورية والتنكيل بأهلها باعتبار ذلك تصدياً لمؤامرة كونية ضده، صار يتباهى هو ذاته منذ فترة طويلة بوجود قنوات تنسيق أمنية مفتوحة بينه وبين دول غربية مؤثرة.
لكن استناداً إلى المتاح من المعطيات والمعلومات، يبدو التفسير السابق ضعيفاً، أو افتراضياً. ويكون أقوى منه وأكثر منطقية خشية نظام الأسد من اتخاذ الولايات المتحدة وحلفائها « داعش » سبباً كافياً للتدخل في سورية بعد العراق.
فكما هو معروف، لم يبق لنظام الأسد، بعد سقوط « الفرقة 17″ و »اللواء 71 » بيد « داعش »، إلا موقع واحد في محافظة الرقة هو مطار الطبقة. وفي حال نجاح « داعش » في السيطرة عليه، ستغدو كامل المنطقة خارج سيطرة النظام، ومعقلاً خالصاً للتنظيم الذي تعلن الولايات المتحدة وحلفاؤها أنه يشكل تهديداً مباشراً لها، وقد حصلت على إجماع دولي (بما فيه روسي وصيني) للتدخل ضده. ومن ثم، فقد تتوسع العملية العسكرية الأميركية لتشمل الرقة السورية، كأمر ضروري وحتمي للإجهاز على « داعش » في العراق، لاسيما أن هذه العملية كانت قد بدأت بهدف حماية كردستان والعراقيين اليزيديين، ثم لم تلبث أن توسعت أول من أمس إلى هدف استعادة سد الموصل، حتى الآن.
وفي حال التدخل الأميركي في الرقة، يكون قد كسر محظور التدخل الخارجي في سورية، كما يخشى النظام، ما قد يفتح على احتمالات أخرى لم تكن واردة في الحسبان، وإن كانت ما تزال بعيدة.
أياً كانت أسباب تذكر نظام الأسد تنظيم « داعش » الآن، يظل أن ليس من بينها حماية السوريين الذين يعنون الموالاة فقط، كما تظهر مجريات الأحداث السابقة؛ بل هي أسباب تتعلق بالخشية من الولايات المتحدة والغرب، إن لم يكن استرضاؤهما، لأجل البقاء على أشلاء المعارضة والموالاة معاً.