مثقفون عرب لامعون على موائد المستبدين -سلام الكواكبي
الأكاديمي سلام الكواكبي يعتقد أن ولادة أشكال إبداعية جديدة هي من أهم إضاءات الثورة التي أفضت إلى رفع الغبار عن الإبداع بمختلف أشكاله. | |||||
العرب ![]() |
|||||
باريس- تميزت « لقاءات ابن رشد » الثقافية التي عقدت أخيرا في مدينة مرسيليا بالجنوب الفرنسي تحت عنوان « أن نفكر القرن الواحد والعشرين »، بمشاركة العديد من الباحثين والمبدعين العرب ومنهم سلام الكواكبي، الباحث السوري ونائب مدير مؤسسة « مبادرة الإصلاح العربي » في باريس. على هامش « لقاءات ابن رشد » كان لنا مع الكواكبي هذا الحوار. سلام الكواكبي أكاديمي وباحث سوري في العلوم السياسيّة والعلاقات الدوليّة، حاصل على إجازات جامعيّة عليا في الاقتصاد والعلاقات الدوليّة من جامعة حلب، وفي العلوم السياسيّة من معهد العلوم السياسيّة في إكس أون بروفانس في فرنسا. عمل بمعهد الأبحاث حول العالم العربيّ والعالم الإسلاميّ في الجامعة الفرنسيّة نفسها. ثم شغل مركز المسؤول عن المعهد الفرنسيّ للشرق الأدنى في حلب، ويشغل حاليا مدير أبحاث في مبادرة الإصلاح العربيّ.
وهم النخبة
منذ اندلاع الثورة السورية تباينت مواقف المثقفين وتوزعت على ثلاثة توجهات، البعض وقف إلى جانب الثورة والبعض الآخر إلى جانب النظام وفريق ثالث ظل صامتا أو تبنى موقفا ملتبسا، وهو ما حاولنا معرفة موقف سلام الكواكبي منه بعد مرور أكثر من عامين على اندلاع هذه الثورة، فأجابنا بقوله: « لا أسمح لنفسي بالقيام بفعل التقييم بالمطلق، ولكنني أقف عند الدور العضوي للمثقف الذي تنازل عنه كثيرٌ منهم مع بدء الاحتجاجات ومرورا بتطوراتها المختلفة. ما حصل ويحصل هو انعكاس لصيرورة النشاط الثقافي الذي كان قائما في أطر شديدة التقييد. وهذا يؤثر على تكوين الشخصية الثقافية وممارسة العمل الثقافي أيضا. وأعتقد بأن هناك من لديهم موقف واضح من النظام ولكنهم لا يقبلون بممارسات من يدعي وصلا بالمعارضة. وبالتالي فمواقفهم ليست ملتبسة، ولكن مختلفة.
إضافة إلى أنه لا يجب أن نُغفل بأن جلّ العاملين في الحقل الثقافي، وليس بالضرورة من المثقفين، كانوا موظفي دولة، وهذا لم يؤثر فقط على مواقفهم لاحقا، بل أثر في تكوين شخصياتهم وفي علاقتهم مع الشأن العام. هناك أيضا، من صدّق بأنه نخبة وبأن « العامة » بعيدة عن مستواه التحليلي والمعرفي، وبالتالي حصل انقطاع معرفي وبنيوي بينه وبين مجتمعه، وانعكس هذا الانقطاع على كيفية نظرته وتحليله للأمور الجارية وعلى رأسها الحركات الاحتجاجية بكافة تداعياتها ».
المثقف « البافلوفي »
وعن تفسير سُكوت بعض المثقفين والإعلاميين العرب عن ارتفاع نسبة الضحايا في صفوف المدنيين والدمار الكبير الذي يلحق بالمدن والقرى والبنى التحتية في سوريا، يقول الكواكبي: « هناك تجاهل مقصود من قبل البعض، وتجاهل ينمّ عن انشغالات مناطقية لدى البعض الآخر والتي تنحصر ردود فعلهم في إطارات جغرافية ضيقة. فالبعض لا يعتقد بأن ما يجري خارج حدود بلاده يعنيه في شيء أكثر من الأسف أو التململ. إن هذا الموقف مرتبط بالبنية الثقافية العربية التي يتناسب تقوقعها الإقليمي طردا مع خطاباتها القومية الرنانة. بالمقابل، لا يجب أن ننسى بأن بعضا من المثقفين العرب، بأسمائهم اللامعة والأقل بريقا، عملوا يوما في ردهات السلاطين والمستبدين، وكانوا يتناولون من بقايا موائد الفساد أو يموّلون نتاجهم أو إصداراتهم أو « إبداعاتهم » بأعطيات السلطات أو الحكومات أو الأجهزة الأمنية حتى. وهناك الفئة التي تحتمي بالشك لكي تبرئ سكوتها أو ضميرها الغائب. وهي تستعرض في هذا المجال تجارب مختلفة تمام الاختلاف عن المقتلة السورية لتجد لنفسها الحجة والتبرير. وهناك أيضا من تأثّر بالبافلوفية الإيديولوجية والإسلاموفوبية او الثوروفوبية أو الديمقراطوفوبية، وما إلى ذلك من رُهابات ترافقنا نتيجة البيئة التعليمية أو التثقيفية أو التوظيفية. هذا من جانب، ومن جانب مختلف، يمكن تحميل اللوم أيضاً إلى ضعف العمل التواصلي والإعلامي الثوري ولهذا حديث آخر ». وبالانتقال الى المثقفين الغربيين، يقول الكواكبي عن صمت المثقفين بشكل عام على المجزرة السورية: « أبتعد عن التعميم لأنني أشعر بتضامن أشدّ وضوحاً وأكثر عمقاً من قبل كثير من المثقفين الغربيين بالمقارنة مع من كنت انتظر منهم هذا الموقف من مثقفي الدول العربية. ولكن توجد أيضاً فوبيات راسخة لدى البعض واستشراقية بمعناها السلبي لدى البعض الآخر.وهناك اليسار البافلوفي الذي يرى الأمور بمنظور الصراع الطبقي مع الامبريالية والشركات متعددة الجنسيات، وهناك الخيبات التي تلت ما يعتبره البعض نكسات للأمل الثوري الكبير في مصر وفي تونس، وهناك الفوضى المسلحة في ليبيا والفساد الدموي في العراق… كلها نماذج دفعت البعض لاختيار الموقف الأسهل، وهو الصمت. وكما في الجواب السابق، يبدو أن ضعف اللغة التواصلية التي يستخدمها السوريون وإنشائيتها المزمنة وخشبيتها الموروثة، تجعل من الصعب أن تصل الرسالة باللغة وبالمفاهيم التي يمكن لمثقفي الغرب أن يتجانسوا معها ».
ثقافة جديدة
يقول سلام الكواكبي عن مسألة ما إذا أدت الثورة إلى ولادة أشكال إبداعية جديدة: « أعتقد بأن هذا الجانب هو من أهم إضاءات الثورة والتي أفضت إلى رفع الغبار الاجتماعي والسلطوي عن الإبداع بمختلف أشكاله. وقد تنوّعت النتاجات الثقافية التي رافقت مختلف مراحل تطور المقتلة السورية من الاحتجاج السلمي مروراً بالعمل العسكري وصولاً إلى دخول أجسام غريبة على المجتمع قلباً وقالباً. الإنتاج الشبابي الإبداعي هو ما يبعث قليلاً من الدفء في هذا الصقيع الإنساني المحيط بالسوريين. هناك نماذج عديدة بين السينما والفن التشكيلي والموسيقى والغناء والتطبيقات المركبة والتي تنمّ عن جرعات وعي فني وجمالي عالية لدى جيل واعد. وأعتبر بأن الفن « البدائي » الذي برز في صلب بعض المظاهرات وكان عنواناً بارزاً لها، هو جزء أساسي من هذه الموجة الإبداعية. ويضيف قوله حول وجود دراسات عربية وغربية تواكب المسألة السورية وتبحث فيها بعمق: « بشكل عام، هناك ضعف في الانتاج العلمي المتعلق بمجمل الحراك الثوري العربي عربياً وغربياً. وفي المسألة السورية، هناك الكثير من العناوين التي صدرت لكتب تحمل شهادات أو توثيقاً أو بعض الآراء المفعمة بالذاتي وبالمَعيش. ويمكنني القول بأن ما صدر من أبحاث غربية هو أكثر علمية بكثير من الإصدارات العربية بعيداً عن التقييم المرتبط بالمضمون وبالموقف. هناك بالمقابل بعض الباحثين السوريين الذين استطاعوا الحفاظ على وتيرة معقولة من الملاحظة والتشخيص، ولن أذكر أسماء حتى لا أغفل أحداً. وحول سؤالنا إن كانت الثورة ستؤدي إلى ولادة ثقافة سورية جديدة، يجيب الكواكبي بقوله: « أعتقد بأن الثورة، وإن وصلت إلى برّ النتيجة، وليس الأمان، ستساعد على إعادة تعريف الثقافة خصوصاً من خلال دخول الجيل الجديد الذي كان مهمشاً ليس من قبل سلطة مستبدة فحسب بل من قبل رعاة الهيكل الذين كان جزء منهم يزدري الإبداعات الشابة ويتعالى عليها. أعتقد بأن المرحلة المقبلة ستكون ثورة على ثقافة متصالحة مع عجزها ».
طبائع الاستبداد
تصدر عند نهاية هذا الشهر الترجمة الفرنسية لـ »طبائع الاستبداد » لعبد الرحمن الكواكبي عن دار « آكت سود » في باريس، فما معنى صدور هذا الكتاب اليوم؟ يجيب سلام الكواكبي بالقول إن « أعمال الكواكبي معروفة بشكل مجتزئ في فرنسا وفي الغرب عموماً، لم تترجم أعماله كاملة على الرغم من العدد الكبير من الأطروحات العلمية حول فكره. وبمبادرة من الصديق فاروق مردم بك، قامت دار نشر « أكت سود » بنشر ترجمة الصديقة هالة قضماني لكتاب « طبائع الاستبداد ». وأعتقد بأن الوقت مناسب جداً لإعادة قراءة هذا الكتاب كاملاً بعد قرن ونيف من وفاة كاتبه. ورسالة الكتاب إلى القارئ الفرنسي يمكن إيجازها بالقول بأن الفكر النهضوي التحرري والمؤسس لديمقراطية مبتغاة ليس طارئاً على الثقافة العربية وإن كان في انحدار نتيجة عوامل سياسية واقتصادية وثقافية متشابكة ». |
|||||