يبرود: كي لا نطبّع مع الدم – زيـاد مـاجد
منذ بقلاوة احتلال القصير، ومنذ الاعتداءات قتلاً وقصفاً ونهباً على السوريّين في ضواحي دمشق بحجّة الحفاظ على مقام السيدة زينب، يريد حزب الله لأكثرية اللبنانيّين أن يطبّعوا مع تدخّله في سوريا خدمةً للنظام الطغياني الفاسد هناك. ويريد لهم أيضاً أن يطبّعوا مع حلويات « بيئته الحاضنة » واحتفالاتها بانتصار سلاح الجو الأسدي وبراميله وراجمات صواريخه ودبّاباته ومقاتليه، وعناصر الحزب بينهم، على كتائب ضعيفة التجهيز معدومة الدفاعات الجوية ولا تملك القوة النارية الكافية لمواجهات طويلة، ومع ذلك تراها تصمد (تماماً كما كان حزب الله نفسه يصمد على الحدود اللبنانية الجنوبية العام 2006)، لأسابيع وأشهر دون السماح للغزاة باحتلال بلداتها.
ويريد حزب الله كذلك أن تبدو المعارك المتفرّقة التي يشارك فيها وكأنّها كلّ مرّة معارك حاسمة ونهائية، يُروّج عقبها لِقرب نهاية الثورة. فبعد القصير، تحدّثت الصحف ووسائل الإعلام المقرّبة الى الحزب عن معركة حلب وعن انهيارات كثيرة مقبلة، وها هي اليوم تكرّر بعد 9 أشهر الأمر نفسه إثر نجاحها في احتلال مدينة صغيرة حوصرت وقُصفت بمختلف أنواع الأسلحة.
الحزب يريد إذاً أن يصير التكرار خاصّية الحديث عن « انخراطه المظفّر » في القتال في سوريا، من أنصاره كما من خصومه، بما يؤكّد تطبيع الجميع مع الأمر واعتيادهم عليه، وتحويل الثناء كما النقد والهجاء الى اجترار ينشغل المعلّقون به لفترة ثم يملّونه قبل أن يوقظهم تطوّر جديد يُعيد طرح الأسئلة وعقد المقارنات إيّاها من دون تعديل ومن دون تبعات سياسية جدّية.
الأنكى من ذلك، أن الحزب فرض على التعاطي الرسمي اللبناني مع تدخّله عسكرياً في سوريا قبولاً ضمنياً يعبّر عنه الصمت أو تكرار الدعوات الى الالتزام ببيان هنا وبمبادرة هناك دون الخوض الصريح في الموضوع ودون تسمية الأشياء بمسمّياتها. و »البيان الوزاري » الجاري إعداده تعبير واضح عن هذا الميل إذ يحاذر الخوض في « الشأن السوري » وفي المسؤولية اللبنانية تجاهه.
والأمر نفسه ينطبق على منسّقي معظم هيئات المجتمع المدني وفعالياته الاقتصادية المتضرّرة من التوتّر الراهن في البلاد، وعلى الكثير من المثقّفين الذين لم يتحرّكوا كفايةً بعد للتصدّي لمقولات الحزب ولانخراطه في « نزاع خارجي » يُقحم لبنان في حرب في « دولة مجاورة » ويعرّضه لانعكاسات الأمر سياسياً وقانونياً وأمنياً على نحو قد لا تبقى العبوات الناسفة المتنقّلة شكله الوحيد…
حزب الله يواصل بنجاح إذاً دفع لبنان نحو المزيد من الأزمات، ويواصل كذلك نهش صلاحيّات الدولة السياسية والأمنية ليس في المناطق التي يُديرها فحسب، بل أيضاً على كامل الحدود الوطنية وعبرها. وهو إذ يفعل ذلك، يراهن على استمرار العجز العام أمام المشهد العنفي الذي يدير، وعلى محاصرة الأصوات المعترضة على نهجه العدواني وإشعارها باستحالة تأثيرها على مجريات الأحداث.
يبقى أن كلّ ما ذُكر يجب ألّا يدفع بأي شكل من الأشكال الى القبول بالتطبيع مع نزيف الدم أو الاستسلام للصمت المطلوب تعميمه تجاه المُعتدين، ولا الى جعل استنكار جرائمهم يبدو لفرط تكراره مضجراً أو مدعاة خوف لدى مطلقيه، أو مشروطاً بقدرته التغييرية « السريعة » للسائد من أمور.