مبايعات «داعش»: فقه التلفيق والتكتيك – صبحي حديدي
لم يكن شهيد الله شاهد، الناطق باسم حركة طالبان باكستان، يخادع ممثلي وسائل الإعلام العالمية حين جمعهم لإعلان مبايعة «داعش»، حتى إذا كانت آلاف الكيلومترات تفصل بين سنجار والموصل في العراق، أو الرقة وكوباني في سوريا؛ وبين المناطق الجبلية الوعرة، والقبائلية البشتونية غالباً، على خطوط الحدود مع أفغانستان. «كلّ المسلمين في العالم يعلقون عليكم آمالا كبيرة. نحن معكم، وسنزودكم بالمجاهدين وبكل دعم ممكن»، قال شاهد، بعد ساعات على إعلان «داعش» ذبح مواطن غربي إضافي.
بمعزل عن انتفاء المخادعة، إذْ يجوز الافتراض بأنّ هذا الجهادي العصابي تحديداً يتلهف حقاً لمساندة «داعش»، ثمة ذلك الإشكال الأكبر المزدوج الذي يكبّل هذا الطراز من المبايعات، خاصة إذْ تصدر عن تنظيمات جهادية في شرق آسيا وآقاصي العالم المسلم: 1) أنّ «كلّ المسلمين» ليسوا، البتة، من معلّقي الآمال على «الجهاد» عموماً، وعلى هذه التنظيمات الإرهابية المتطرفة خصوصاً، بل العكس هو الصحيح، فلا تناصرهم إلا قلّة قليلة، أقرب إلى الندرة عملياً؛ و2) أنّ «فقه الجهاد» ذاته، إذا جازت تسميته هكذا، لا يبيح تلك المبايعات على النحو الاستسهالي الذي تتخذه، كما في مثال طالبان باكستان مثلاً، إذا لم يطعن في سلامتها الشرعية أحياناً.
الدليل على هذا أن شاهد نفسه اضطر، بعد يومين فقط، إلى إصدار بيان لاحق يوضح أنّ تأييد «داعش» لا يعني الإقرار للبغدادي بموقع خليفة المسلمين (الأمر الذي سوف يعني نزع الصفة عن الملا عمر، رغم أنّ الناطق باسم طالبان باكستان تفادى الخوض في هذا التفصيل)؛ ولا يعني، أيضاً، ذوبان الجهاد الباكستاني في الجهادَين السوري والعراقي. لكنه يعني، في المقابل ـ وهذا تطوّر أخطر ربما، وأبعد أثراً، لم يتطرق شاهد إليه ـ أنّ الحركات الجهادية في شرق آسيا يمكن ان تقتفي الدروب التي سارت عليها «داعش»، فتقتبس مسارات تطورها، من حيث طرائق التمويل والتسلّح والتجنيد والتمدد، وتعيد إنتاج تكتيكاتها القتالية على الأرض، وربما خياراتها العنفية القصوى في معاملة الرهائن الغربيين.
وفي تشريح أهواء القلة القليلة من المسلمين المناصرين لـ»داعش»، ثمة، بادىء ذي بدء، ذلك الإغواء الطاغي الذي تمثّله فكرة الخلافة الإسلامية، وما يقترن بها من إحياء أمجاد الإسلام الغابرة، وردّ الكرامة إلى المسلمين في أربع رياح الأرض. وهو إغواء لا يتحوّل إلى جاذبية، فقناعة، فالتزام بـ»الفكر»، فالتحاق بصفوف الجهاد… إلا إذا اقترن بخيبة أمل، ومرارة، من بعض فئات القيادات الجهادية ذاتها: إمّا لأنها تراخت، أو قصّرت، أو انكمشت، أو انحسر نفوذها العالمي (كما في مثال «القاعدة» تحت قيادة أيمن الظواهري الحالية)؛ أو لأنها تخلت عن قضية الجهاد، وربما «خانت»، فانخرطت في حوار مع «أعداء الله» (كما في مثال حوار طالبان أفغانستان مع أمريكا(.
في الجانب الآخر من المبايعات، هنالك مواقف التأييد التي أخذت تنهال على «داعش» من بعض القبائل والعشائر والأفخاذ، في العراق وسوريا على حدّ سواء؛ بعد انّ كان العكس هو سيّد المعادلة، كما حين انتفض الشعيطات ضدّ «داعش» في ريف دير الزور، شرقي سوريا، قبل أسابيع فقط. دافع العشائر المؤيدة تكتيكي محض، في المقام الأوّل، وهو أقرب إلى التحالف العابر، المؤطر في الزمان والمكان، الذي يسعى إلى مكاسب محلية مؤقتة؛ منه إلى أيّ تعاطف ديني إسلامي، أو عقائدي جهادي. ولهذا فإنه قابل للتبدّل، وفقاً لما تأتي به الرياح، في شروط نقيضة.
هي، إذاً، خلاصات تمزج بين تلفيق الآمال واستثمار الخيبة وانتهاج التكتيك، إلى حين فقط؛ قد يقصر، أغلب الظنّ، أكثر مما يطول: زمناً وجغرافية، معاً.