«أنصار» النظام في سورية … كيف هي أحوالهم؟ – عبدالوهاب بدرخان

Article  •  Publié sur Souria Houria le 20 octobre 2011

غصّت ساحة السبع بحرات الدمشقية، قبل اسبوع، بتظاهرة مليونية تأييداً للنظام. لم يشك أحد يوماً أن للنظام شارعه، وأن للرئيس محبّين، وأن هناك شرائح اجتماعية متخوّفة من التغيير أو غير متأكدة بأنه سيحفظ لها مصالحها… لكن «تأييد» النظام الحالي في ماذا؟ يصعب الاعتقاد بأنه تحبيذ لفظاعات أجهزة الأمن و «الشبيحة»، ولاستباحة المدن والبلدات، ولانتهاك الحرمات واقتحام البيوت والمدارس والجوامع، ولقتل الأطفال والفتية، ولخطف العجائز رجالاً ونساءً وتعذيبهم وإهانتهم لإجبار أبنائهم وبناتهم على تسليم أنفسهم، علماً بأن هؤلاء لم يقتلوا ولم يعتدوا على أحد… بلى، يصعب الاعتقاد بأن جميع «المؤيدين» خرجوا وتظاهروا وهتفوا، وهذا حقهم، من أجل كل ذلك، ولا حتى من أجل بقاء البلد في كنف الحزب الواحد، أو إعلاءً لقيم «الممانعة» و «المقاومة» وتصدياً لـ «المؤامرة» الخارجية. واذا كان بينهم من هم مطلَقو التأييد للنظام وجاؤوا بخيارهم الحرّ، فإن الآخرين جاؤوا تفادياً لمضايقات لاحقة. ولا داعي للتفصيل في الأساليب المستخدمة لجلب الحشود، فهي هي في دمشق أو صنعاء، أو في طرابلس الى أسابيع خلت

مشكلة الموالين للنظام أنهم لا يتمتعون بأي امتياز عن معارضيه، فهؤلاء وأولئك متساوون في كونهم كمّاً لا قيمة ولا رأي له في تصوّر مستقبل البلاد. واذا كان المعارضون كسروا حاجز الخوف واستحقوا الموت، فإن الموالين لزموا الخوف والصمت لكنهم باتوا مشتبهاً فيهم، ففي الشهور الأولى كان النظام يعتبر خطأً أن «الأكثرية الصامتة» معه قلباً وقالباً، إلا أن صمتها دفعه الى الارتياب، فهو لا يزال متيقناً من القالب، أما القلب فمسألة لا يستطيع التحكم بها. ولعله أدرك أن غير المشاركين فعلياً في الانتفاضة لا يزالون غير مقتنعين بجدواها وقدراتها، لكن توقعاتهم بأن تخمد ما لبثت أن تضاءلت. لذا تعددت أخيراً فنون الترهيب المتأرجح بين نعومة وفظاظة لاختبار هذه الأكثرية وتحذيرها، تحديداً في دمشق وحلب المعتبرتين معقلَي النظام ورمز قوته الشعبية

مع تكاثر أعداد المغادرين الى لبنان والاردن وتركيا وعواصم الخليج وأوروبا لمعاينة الوضع من الخارج واستشراف امكانات الهجرة الموقتة أو الدائمة، وكذلك مع بداية استشعار العقوبات المصرفية محلياً وجمود الأسواق واتجاه الاقتصاد نحو ركود وانهيار، وجد النظام أن التململ الفردي الخافت في أوساط التجار وأصحاب الأعمال بدأ يُسمع أكثر فأكثر في اللقاءات الخاصة كما في المداولات الاعتيادية لغُرف التجارة والصناعة. هناك مؤسسات صغيرة ومتوسطة تجتهد لتأمين بقائها بتفاهمات تقشفية مع العاملين فيها، وأخرى ترتضي منذ شهور الاستمرار لقاء تحصيل أكلافها من دون أرباح، لكن المؤسسات التي اضطرت للاقفال تزداد يوماً بعد يوم

ورغم أن التململ لم -وربما لن– يتخذ طابع الاحتجاج العلني إلا أن العديد ممن صرحوا أمام نظرائهم بأنهم مقبلون على قرارات صعبة، جرى استدعاؤهم الى مراكز أمنية للمساءلة والتهديد. غير أن آخرين تعرضوا لمضايقات شتى، لا بسبب أعمالهم وإنما استباقاً لتغيير محتمل في سلوكياتهم وآرائهم السياسية، فهذا شخص توقف بسيارته عند حاجز وطُلب منه فتح الصندوق الخلفي للتفتيش، ثم مضى في سبيله فتوقف عند حاجز آخر غير بعيد واكتشف التفتيش أن ثمة أسلحة استقرّت في الصندوق، وبعد توقيف وسجن فاستجواب فاتهام، اضطر ذووه للتوسط مع المتنفذين الذين أوقعوا به، فأخلي سبيله بداعي أن «خطأ» قد حصل. وهذا آخر يُستدعى لأن تقارير أفادت أنه وأصدقاءه يشتمون النظام ورموزه على صفحته في «الفايسبوك» أو في تغريداتهم على «تويتر»، ورغم إفادته أنه غير مسجل أصلاً في هذا التواصل الاجتماعي، عُنّف وأنّب لرفضه الاعتراف بالذنب ثم احتجز لفترة قبل أن يطلق لأن التحريات بيّنت وجود «خطأ». تتعدد النماذج وتتكرر «الأخطاء» والهدف واحد، وهو بعث رسائل الترهيب لمن هم خارج الانتفاضة ويفترض أنهم من أنصار النظام

شيئاً فشيئاً تتحوّل هذه الأكثرية من صامتة الى مرعوبة، ومنذ عشية ولادة المجلس الوطني السوري تكثفت الرقابة على الموالين المشكوك بهم لسبب أو بلا سبب، فالنظام يعرف أنه بات مكشوفاً أمام هؤلاء لأنه خذلهم، والواقع أنه لم يرَ فيهم سوى أصحاب رساميل، أي «جبناء»، ولا يشكلون أي خطر عليه. كان معظمهم، ولا سيما المستثمرين الجدد من الذين لم يعرفوا في حياتهم نظاماً آخر، وبالتالي صوّرت لهم نشأتهم وظروفهم -وبعضهم جاء من الهجرة- أنّ ما يسمى استقراراً هو ما يرونه بعيونهم، ثم أنهم صدّقوا «المعجزة الاقتصادية» التي بشّر بها الرئيس. لكن الأعوام العشرة المنصرمة حملت اليهم بعض الانفراجات مقابل الكثير من خيبات الأمل، اذ أضحت تلك «المعجزة» تعني أن يتوزّع أبناء النظام، وبالأخص ابن خال الرئيس، كل أنشطة الاقتصاد استحواذاً واحتكاراً، وأن ينبروا أيضاً الى التدخل بأشكال شتى في أعمال الآخرين، فتكاثرت فرائسهم وضحاياهم حتى باتت «المعجزة» أشبه بمغامرة في أدغال «شبيحة» المال والأعمال

يعرف السوريون جميعاً نظامهم من خلال البطش والقمع والتنكيل التي عانوها ويعانونها، لكن الموالين يعرفونه أكثر بفعل اختلاطهم بشخوصه اجتماعياً، ويعترف العديد من هؤلاء بأنهم رُوّعوا بما سمعوه منهم مباشرة، فأن تكون موالياً وغير معني بالانتفاضة شيء، وأن تتلمس النفسية الإجرامية عن كثب شيء آخر، وأن تؤيد حكماً سمح لك بتحقيق بعض المصالح لا يعني أن تستحسن من يقول «ولا بمليون قتيل يستطيعون إزاحتنا»، أو «بلاها درعا، بلاها حمص، أين المشكل؟». غير أن «معنويات» النظام، كما عرفها أنصاره في بداية الانتفاضة، صارت في الاسابيع الأخيرة أقل يقيناً، مع تكرار الانشقاقات العسكرية، وحتى استبعاد مَن كانوا الى الأمس من القريبين الذين «عوقبوا» إما لأنهم لم يفلحوا في ضبط المناطق التي ينتمون اليها، أو لأن خيط التقارب مع هذه الدولة أو تلك قد انقطع، أو لأن ثمة عملية فرز دقيق فرضت نفسها بسبب ضغط الأزمة وضرورة حصر النواة الصلبة للنظام. وعندما اختار الرئيس إرسال مستشارته، وليس وزير الخارجية، الى موسكو للتفاوض على انقاذ النظام، كان القريبون، لا البعيدون، مَن قالوا إنـ «ـهم» (النظام) «يتعاملون مع المسألة على أنها عائلية» ولا تخص «الدولة»، قبل أن يسألوا «عن أي إصلاح يتكلمون؟

يتداول الموالون سيناريوات كثيرة استخلصوها مما يسمعونه مباشرة من شخوص النظام، لا يصدّقونها ولا يستبعدونها، لكنها تعكس في رأيهم نهاية مرحلة أو نهاية عهد، لذا يميلون الى أن النظام صار مدركاً أن له مصلحة في إحداث مفاجأة أو صدمة. كيف؟ يعتقدون أن «انقلاباً تصحيحياً» سيحصل داخل النظام، وأن الأمر يُدرس لأن الروس والايرانيين (وقبلهم الأتراك) نصحوا بالتضحية ببعض الأعوان. وليس من قبيل الصدفة أن يكرر عسكريون فاعلون في أعمال العنف أمام موالين للنظام اتهامات منصبّة على «الجويّة» (أي جهاز الاستخبارات الجوية) بأنها هي التي ترتكب «مخالفات» في تنفيذ «أوامر الرئيس»، ولا ذكر لها في الإعلام، الذي لا ينفك يتهم «الفرقة الرابعة». اذا صحّ هذا السيناريو، ولا شيء مؤكداً، فإنه سيأتي متأخراً جداً، لكنه ربما يتيح للروس اطالة عمر سلبيتهم المخزية في مجلس الأمن. ثم إن «الانقلاب» لا يعني الانسحاب من الشارع، وهو التحدي الأصعب

الحياة – الخميس، 20 أكتوبر 2011

http://international.daralhayat.com/internationalarticle/320352