أسطورة سليماني – محمد أبو رمان

Article  •  Publié sur Souria Houria le 31 mars 2015

أسطورة سليماني – محمد أبو رمان

الأحداث الأخيرة أثبتت، بالوجه القاطع، أنّ ما يسمى الحل العسكري لأزمات المنطقة ليس إلا وهماً كبيراً؛ وأنّ الحسم الذي كان يتحدث عنه المراقبون والمحللون ليس ممكناً في ظل التعقيدات السياسية والمجتمعية والعسكرية الراهنة.
أحداث كبيرة وقعت خلال الأيام القليلة الماضية غيّرت، وربما قلبت، الحسابات الداخلية والإقليمية رأساً على عقب. ففي سورية، نجحت المعارضة السورية الإسلامية في الاستيلاء على مدينة إدلب، وإلحاق هزيمة عسكرية مدوية بالنظام السوري، الذي كرر جيشه ما حدث مع الجيش العراقي سابقاً في الموصل؛ عندما هرب القادة الكبار وتركوا الجنود خلفهم في مواجهة المعارضة المسلحة.
المعارضة المسلّحة نظّمت نفسها عبر ما سمته « جيش الفتح »، الذي ضمّ « أحرار الشام » و »صقور الشام » و »جبهة النصرة »، واخترقت حواجز النظام، وقتلت مئات الجنود، بالرغم من القصف الجوي المكثف. وبذلك، باتت المعارضة، للمرة الأولى، مشرفة على مدينة اللاذقية، وهي من أبرز المراكز الاستراتيجية للنظام السوري.
على الصعيد نفسه، فإنّ العمليات العسكرية الكبيرة الحاشدة التي جرى الترتيب والإعداد لها في جنوب سورية، وكان يشرف عليها مباشرة الجنرال الإيراني المعروف، قاسم سليماني، ومعه أبرز القيادات العسكرية في حزب الله، لم تؤدِّ إلى نتائج نوعية وجوهرية، بالرغم من الهالة الإعلامية والإمكانات المتوافرة. إذ لم تسيطر القوى الموالية لإيران إلا على بعض الهضاب والتلال الاستراتيجية، التي استرجعت المعارضة السورية بعضها. كما تمكنت هذه المعارضة من تحرير مدينة بصرى الشام في الجنوب أيضاً.
ليس ذلك فحسب، بل عادت القلمون والمناطق المحاذية للحدود اللبنانية إلى التوتر والفوضى، وأصبحت مساحة حيوية لنشاط كل من « جبهة النصرة » وتنظيم « داعش » في مواجهة القوات السورية وحزب الله، بعدما كان الحزب قد تمكن سابقاً من تحقيق انتصار عسكري كبير فيها.
في المحصلة، ما يكسبه النظام اليوم قد يخسره غداً، والعكس صحيح؛ فما تم تحقيقه سابقاً من تقدم لقواته خسرت هذه القوات اليوم ما هو أكبر منه، بالرغم من أنّ المعركة أصبحت حالياً خارج يد النظام السوري بصورة كبيرة. إذ للمرة الأولى يتم الحديث عن إشراف مباشر على بعض الجبهات من قبل قاسم سليماني نفسه، أي إنّ الصورة الإقليمية للحرب أصبحت هي الطاغية على ما يحدث في جبهات القتال.
الخيبة في العراق لا تقل شأناً عن سورية. فما حدث في تكريت كان، أيضاً، بإشراف سليماني، وقيادات في الحرس الثوري الإيراني، وتم استخدام استراتيجيات شبيهة بالحرب الإيرانية-العراقية، وفق ما أكده لي خبراء عسكريون غربيون، تقوم على التدفق الكبير في القوات البرية، مثل الأمواج. لكن ما بدا انتصاراً عسكرياً كبيراً لسليماني و »الحشد الشعبي »، في البداية، انقلب لاحقاً إلى فشل ذريع وكبير، وتبادل للاتهامات، واجتراح للحجج الواهية لتبرير التراجع الذي حصل في تكريت.
الخلاف كان واضحاً في أوساط الحكم العراقي بين الشرطة والجيش، وبين إدارة حيدر العبادي ونفوذ المالكي، كما بين الحلفاء؛ رؤية واشنطن وطهران. وبالرغم من أنّ الولايات المتحدة لم تشارك في « معركة تكريت »، وتركت قيادتها لسليماني، إلا أنّ ما حدث مؤشر مهم على أنّ معركة الموصل ستكون كلفتها وخطورتها وتداعياتها أكبر بكثير، أولاً، وأنّ هناك مشكلات بنيوية كبيرة، ثانياً، في الشريك العراقي لقوات التحالف.
من يدقق في سير المعارك، يدرك تماماً أنّ الأسطورة التي صنعها الخيال الإعلامي الإيراني والأميركي حول قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، تهاوت سريعاً؛ فالرجل لم ينجح في أي اختبار حقيقي في الجبهات السورية والعراقية، بينما ما حدث أثبت أنّ القضية السُنّية هي المشكلة الجوهرية التي إن لم تُحلّ، سنبقى ندور في حلقة مفرغة.

http://www.alghad.com/articles/861468