«أصوات سورية من زمن ما قبل الثورة»

Article  •  Publié sur Souria Houria le 5 mars 2014

تحت عنوان «أصوات سورية من زمن ما قبل الثورة»، أصدرت مؤخرا مجموعة من الناشطين السوريين على غرار سلام الكواكبي وبسمة قضماني ووائل سواح وحسان عباس ويحيى الأوس وفاضل الكواكبي ونوال اليازجي، مؤلفا رصد الحراك المدني السوري والدور الذي لعبته عدة جمعيات ومنتديات في المشهد الاجتماعي والسياسي الذي عرفته سوريا قبل الثورة.

وشدّد الباحثان سلام الكواكبي وبسمة قضماني في مقدمة الكتاب على أهمية حراك المجتمع المدني معتبرين أنّه سوف يضطلع بدور حاسم مهما كانت محصلة الثورة الحالية ودرجة الصدامات.. وأشارا الى أنّ عملية إعادة إعمار الدولة وبناء مجتمع أكثر ديمقراطية ونموّا ، أيّا كان السيناريو السياسي، سوف يكون على أكتاف المواطنين الأكثر براعة وخبرة والتزاما والذين دخلوا سجل الالتزام المدني والعمل التنموي.

وذكّر الكتاب بصفة خاصة بوقائع هامة ومنها كيف سارع الرئيس السوري بشار الأسد بعد مضي أقل من 3 أشهر على تبوئه سدّة الرئاسة سنة 2000 إلى إغلاق منتديات المجتمع المدني واعتقال أبرز أعضائها متخذا طيفا من التدابير من أجل كمّ الأفواه وشلّ المؤسسات في المجتمع، فخضعت جميع نشاطات المنظمات ولا سيما غير الحكومية منها إلى الرقابة، ومنع استخدام مصطلحات على سبيل «حرية» ولو جاء في سياق حدث ثقافي، وتم الاعتراض على عبارات «حقوق المرأة» وطلب من محرري المواقع الالكترونية تفاديها.. كما التجأ النظام إلى نظرية المؤامرة متهما بعض المنظمات بخدمة أجندات أجنبية.

واستعرض الباحث وائل سوّاح في الفصل الأول من الكتاب الذي تطرق لظهور وتطور المجتمع المدني في سوريا، تاريخ الحراك المدني منذ الانقلاب الذي قاده حزب البعث سنة 1963 واختزال المثقف السوري غلى مثقفي الثورة خاصة بعد إلغاء الصحف وحل الأحزاب السياسية وبعد أن أصبحت الدولة هي الثورة مذكرا بالفصل الثامن من الدستور الدائم الذي تم إقراره سنة 73 والذي ينص على أنّ حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في الدولة والمجتمع. وفي هذا السياق، أشار الباحث الى أنّ كبرى المنظمات الحرفية والنقابات جرى تحويلها من دورها كمدافع حقوقي عن الفئة التي تمثلها الى دور دعائي ورقابي معطل، كما فقدت الممارسات الديمقراطية والشفافة داخلها مما جعلها تلعب دورا سلبيا ومقاوما للتغيير…

ولفت الباحث حسان عباس النظر الى ظاهرة «التبعيث» التي انتهجتها السلطة في إطار ترسيخ هيمنة حزب البعث أي أنّه لا سبيل لقيام حراك اجتماعي سوري الا من خلال الأطر الرسمية المكرسة والا فالمنع والمصادرة أو العقاب. لكنه اشار في نفس الوقت إلى أهمية الفعل الثقافي الذي كان له دور في تغيير علاقات الهيمنة التي أوجدتها سياسة الحزب الواحد وفي خلق مجتمع جديد مسؤول يعتمد علي نفسه ويحترم التعددية ويتحرر من ثقافة الخوف.

ومن جهته، ابرز الباحث يحيى الأوس أهمية الدور الذي لعبته المواقع الالكترونية النسوية في كسر طوق العزلة وسط حالة التضييق التي لازمت النشاطات المدنية، وقد ساهمت في فتح الآفاق أمام قضية حقوق المرأة في سورية ونجحت في الإفلات من سلطة الحجب والمنع بفضل اعتمادها شعارات التنمية الاجتماعية وتمكين المرأة.. ومن بين هذه المواقع، ذكر الكاتب بالخصوص موقع «مجلة ثرى» و«مرصد نساء سورية».. وطرح الموقعان عدة مواضيع كانت معتبرة من المحرمات في الإعلام الرسمي ومنها العنف ضدّ المرأة وجرائم الشرف والزواج المبكر والاغتصاب والاعتداءات الجنسية وسفاح القربى. وإعتبر يحيى الأوس أنّ المواقع الإلكترونية النسائية نجحت في تأسيس نواة حركة إجتماعية وحراكا مدنيا ناجحا بعد أن وفرت الحيز المستقل عن سلطة الدولة والذي تم من خلاله توليد نقاشات مدنية لامست أهداب الديمقراطية.

وتطرق المخرج فاضل الكواكبي إلى دور السينما السورية في الحراك الثقافي وذلك منذ عرض أوّل فيلم في مدينة حلب سنة 1908، حيث عانت الحريات السينمائية من ضغط السياسة ومن محافظة التقاليد ومن تشدد رجال الدين.. وفي هذا الصدد كتب فاضل الكواكبي ما يلي: «تعبّر صيرورة السينما السورية منذ 1958 حتى يومنا هذا عن الجدل المعقد في العلاقة بين السلطة والمبدعين وعن الدور الممكن للإبداع والثقافة عموما في خلق نوع من «الاستبدال» و« التعويض» عن غياب الحراك الحرّ للمجتمع المدني، وقد شارك في هذا الحراك عدة مثقفين بارزين مثل نجيب حداد ورفيق الصبان ومحمد ملص وغيرهم… وقدم فاضل الكواكبي قراءة سوسيولوجية لفت فيها النظر الي تأثير عدة عوامل على إشعاع السينما ومنها انهيار اليسار والفكرة الاشتراكية وانهيار الطبقة الوسطى وانتشار الفقر وغزو الفضائيات الخليجية البيوت والطفرة النفطية وهجرة اليد العاملة نحو الخليج وتراجع الطبقات الوسطى على مزاجها التنويري ونجاح الدراما والمسلسلات الزائفة في اكتساح الشاشات فضلا عن اندثار صالات السينما وهي عوامل أثرت سلبا على اشعاع السينما كمنصة ومحمل من الدرجة الأولى… غير أنّ الكواكبي يستبشر بالخطاب السينمائي الجديد الذي يراه قادرا على ملامسة أعمق وأكثر طزاجة لسياقات العيش السوري وآفاقه.

من جهتها إهتمت الباحثة نوال اليازجي بموضوع المجتمع المدني وقضايا الجندر، وذكرت اليازجي أنّ الحركة النسائية لها بعد اجتماعي نهضوي وتحرري، وأنّ هناك بواكير تجمعات نسوية واعية بمتطلبات حركة التقدم الاجتماعي.. واعتبرت اليازجي أنّ هناك تطورا في الوعي المجتمعي تجاه أدوار النساء والرجال بدءا من ضرورة المساواة التامة في الحقوق وصولا إلى إزالة كل أشكال العنف والتمييز ضد المرأة… ووضحت اليازجي كيف برزت بين 2000 و2004 عدة منتديات ومنها منتدى المحامية حنان نجمة وابتسام الصمادي وجورجيت عطية ومنتدى الأتاسي وكلها تعاملت مع المرأة كجزء من عملية التغيير الديمقراطي وعملت على إدماج المرأة في التنمية الشاملة وتغيير الصورة النمطية لأدوار النساء في المناهج التربوية والعنف الجندري ضد النساء.

وسنضرب هنا أمثلة عن أبرز المواقف والحملات التي نادى فيها المجتمع المدني السوري بضرورة الاعتراف بالتعددية السياسية والفكرية وبحرية التعبير، وفق ما جاء في كتاب «أصوات سورية من زمن ما قبل الثورة»:
– بيان التسعة والتسعين: أصدر مثقفون سوريون سنة 2000 بيان التسعة والتسعين، الذي طالب بإلغاء حالة الطوارئ ونادى بالاعتراف بالتعدد وحرية الاجتماع والصحافة والتعبير عن الرأي.
– بيان الألف: أدى بيان التسعة والتسعين إلى فكرة إنشاء جمعية لإحياء التراث المدني أصدرت بيانها التأسيسي تحت اسم بيان الألف نسبة إلى عدد الموقعين عليه وانتشرت ظاهرة المنتديات الثقافية انتشار النار في الهشيم ومنها منتدى الحوار الوطني الذي أسسه واستضافته في بيته النائب رياض سيف الذي وصفته مجلة أمريكية بأنّه بداية حركة التغيير القادمة في سوريا حتما، لكن مسارعة النائب بتأسيس حزب «حركة السلم الاجتماعي» عجلت بكبح نشاط المنتديات وكبتها، ورفعت عنه الحصانة قبل أن يعتقل ويحكم مع عدد من رفاقه لمدة 5 سنوات، ثم أغلق منتدى الحوار الوطني أبوابه وتلته عديد المنتديات باستثناء منتدى جمال أتاسي الذي استمر الى عام 2005 يلعب دورا جامعا لكل تيارات المعارضة السياسية في سوريا قبل أن تقوم السلطات بإغلاقه بسبب قراءة نص لعلي صدر الدين البيانوني المرشد العام للإخوان المسلمين. فتم اعتقال علي العبد الله نائب مدير المنتدى وإغلاقه سنة 2005 وكانت تلك نهاية ربيع دمشق القصير.
– إعلان دمشق: جاء إعلان دمشق بوصفة تحالفا سياسيا في عام 2005 ليتوّج ظاهرة البيانات السياسية والاعتصامات، ودعا الإعلان الى تغيير ديمقراطي سلمي في البلاد ينتج عنه نظام وطني ديمقراطي يكون المدخل الأساسي في مشروع التغيير والإصلاح السياسي. ووقع على البيان عدة أحزاب ولجان إحياء في المجتمع المدني… وخلق إعلان دمشق حراكا في الأوساط السياسية المعارضة قبل أن تطال أعضاء مجلسه الوطني حملة من الاعتقالات شنتها السلطة السورية.
– حملة لإسقاط مشروع قانون الأحوال الشخصية: سنة 2009، خرجت السلطة السورية بقانون أريد به تعطيل المحاكم المدنية فيما يتعلق بالأحوال الشخصية وإلحاق المواطنين السوريين بمحاكم شرعية وروحية ومذهبية، مما دفع بنشطاء المجتمع المدني لإطلاق حملة لإسقاط المشروع والمناداة بقانون اسرة عصري مدني لجميع السوريين، وتمّ إسقاط المشروع بفضل تعاضد جهود ونجح موقع «الثرى» و«نساء سورية»في حشد أعداد كبيرة من المثقفين والقانونيين والناشطين ممّا أثمر عن إنهاء هذا المشروع والإعلان عن وقف العمل به، لكن هذا لم يمنع من ظهور مشروع جديد لقانون الأحوال الشخصية قبل نهاية عام 2009، الأمر الذي استدعى مواصلة العمل لإسقاط المسودة الثانية وصدر بيان وجّه لرئيس الجمهورية حمل عنوان «لا للعودة إلى الوراء ونعم لعصرنة القانون» طالبوا فيه بإيقاف مسودة قانون الأحوال الشخصية الجديد وسقط المشروع الثاني.
– بيان السينمائيين: اجتمعت مجموعة من السينمائيين وعددهم 26 وأصدروا بيانا سنة 1999 رفضت الصحافة المحلية السورية نشره فلجؤوا إلى نشره في الصحافة العربية وخاصة اللبنانية وتضمن البيان دعوة لإفساح المجال لحرية إبداعية أكثر وهامش أوسع للعبير، وصدر بيان ثان أيضا سنة 1999 نشر في الصحافة العربية دون المحلية وفيه إشارات جريئة ذات طابع مطلبي ولكنه أكثر اهتماما بالدفاع عن حرية الإبداع والتعبير وبالحديث عن دور الفساد والاستبداد في القضاء على الحراك الثقافي والاجتماعي.
– حملة ضد جرائم الشرف: نجح موقع مرصد نساء سورية وموقع مجلة الثرى في إطلاق حملة من أجل المطالبة بوقف هذه الجرائم المستشرية ومنذ بداية الحملة سنة 2005 حتى الآن، ظهرت آلاف المقالات والدراسات التي عبرت عن رفضها للقتل بذريعة الشرف مما مهد لرفع الغطاء الاجتماعي الذي يتستر تحت عباءة الدين عن هذه الجرائم وهو ما أثر في الوعي المدني وخلق رأيا عاما مناهضا، فأقدمت الهيئة السورية لشؤون الأسرة عام 2008 على عقد ملتقى وطني حول جرائم الشرف مستفيدا من الحملة التي أطلقتها المواقع الالكترونية، فأثمر عن المرسوم رقم 37 للعام 2009 الذي عدلت بموجبه المادة 548 من قانون العقوبات ورفعت الحد الأدنى لعقوبة القاتل في مثل هذا النوع من الجرائم الى سنتين كحد أدنى.

يتضح من خلال كتاب «أصوات سورية من زمن ما قبل الثورة» زخم الحراك المدني الذي كان قائما قبل الثورة السورية، هذا دون أن ننسى طبعا الدور الذي اظطلعت به الجمعيات الخيرية والأخرى الصحية والتنموية (جمعية أصدقاء سلمية مثالا) في إكتساح فضاءات للنشاط المدني الى درجة أنّ السلطة رأت فيها وفي باقي المنتديات ذات الصبغة السياسية والإجتماعية « عدوا لدودا »، وذلك بالنظر للطابع المستقل الذي سعت هذه المكونات للمحافظة عليه كتعبيرة مثلى وصادقة عن درجة التنوع والتعدد في المجتمع السوري بعيدا عن سياسة الحزب الواحد والرأي الواحد والرجل الواحد