أين النخبة السورية؟ – عدي الزعبي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 10 novembre 2011

مع دخول الثورة السورية شهرها السابع، يبدو السؤال عن موقع النخبة السورية من الثورة مؤرقاً. في مقابل تشكيك النظام بالثوار ووصفهم بالحثالة والعصابات والعملاء، يشكك بعض المثقفين بالثورة بسبب غياب التنظيم الواضح والأهداف المنشودة. ربما كان أدونيس المثال الأبرز. يبدو أن التشكيك في كلتا الحالتين ينبع من سوء فهم عميق، ومقصود، لمجمل الحراك العربي بصفة عامة، والسوري بصفة خاصة
أقدم هنا إجابة عن هذا السؤال في ثلاث مستويات مختلفة
أولاً. الثورات العربية ثورات شعبية. إن عدم التشابه بين هذه الثورات والثورات الأخرى لا يشكل نقطة ضعف. لا تحمل الثورات العربية إيديولوجيا بالمعنى التقليدي. فهي ليست ثورات دينية أو ماركسية أو قومية. تجمع الثورات العربية التيارات الثلاثة السابقة وتتجاوزها. إن الإصرار على عدم تسمية الحراك العربي بالثورة بسبب غياب القيادة الحزبية والإيديولوجية المحركة ينم عن قصر نظر في فهم معنى الثورة. إن الشباب العربي يقدم نموذجا جديداً للثورة. تقييم هذا النموذج ودراسته سيشكل مدخلاً لفهم المستقبل العربي. أما الإصرار على عدم إطلاق اسم الثورة على الحراك العربي، فيشكل موقفاً إيديولوجياً، غير قادر على قراءة الواقع، والانخراط فيه
ثانياً. فيما يتعلّق بالثورة السورية تحديداً. يتجاهل القائلون بغياب النخبة السورية الحقائق. لقد انتفضت محافظات بأكملها في سورية. ضمت المظاهرات الأساتذة والمهندسين وطلاب الجامعة والمثقفين والأطباء والمحامين. شملت الثورة محافظات درعا وحمص وحماة ودير الزور وإدلب واللاذقية وريف دمشق. هكذا يبدو القول أن النخبة السورية غائبة عن الثورة ينطلق من مواقف متعالية وعنصرية اتجاه أبناء المحافظات. يشكل تعامل النظام مع مدينتي دمشق وحلب أنموذجاً لهذه العنصرية. تشديد القبضة الأمنية ترافق مع الإيحاء بأن أبناء المحافظات الأخرى ليسوا سوريين بنفس الدرجة. بالطبع، كانت الردود الأولى في حمص ودوما وبانياس على أحداث درعا مفاجئة للنظام، وللكثير من السوريين. بعد ستة أشهر تحولت معظم مدن سورية إلى ثكنات عسكرية، وزادت القبضة الأمنية من سطوتها في مدينتي دمشق وحلب. انتفض السوريون لأنهم يؤمنون بأن كرامة كل مواطن سوري، من أية محافظة وبأية صفة كان، هي كرامة كل السوريين. هكذا بقي النظام، وبعض المشككين، يعيشون في عالم ما قبل الثورة. قبل الثورة، كان السوريون يميلون إلى نوع من التشكيك المتبادل بين أبناء المحافظات. مع اشتعال الثورة، أصبح الانتماء المناطقي موضع فخر واعتزاز، لا يتعارض مع الوطنية
إن الثورة التي بدأت من درعا وامتدت إلى كافة المدن السورية، أثبتت أن السوريين يعون أنهم مختلفون، وأن المحبة التي يحملها ابن حوران أو حمص لمنطقته، لا تتعارض مع المحبة لسورية الوطن. من هنا، تتشكل مفاهيم المواطنة الجديدة في سورية على قبول التنوع واحترامه والفخر به. ولذلك كان للمشاركة الكردية في الثورة نكهة خاصة. لم يشكك الثوار العرب بالأكراد، أو العكس. ثار أكراد سورية، كما ثار العرب، من اجل أطفال درعا. مع الثورة السورية، ابتدأ الشباب السوري يحترم المكونات المتنوعة للمجتمع، ويجاهر بها. نعود للقول بأن ما يُعرف بالنخبة قد شاركت بالثورة منذ يومها الأول، في مظاهرة الجامع الأموي وفي درعا. إذا كان المقصود بالنخبة الأطباء المهندسين وأساتذة المدارس والجامعات والمحامين، فأولئك متواجدون منذ بداية الثورة في درعا.إن سقوط عشرات الشهداء من حملة الشهادات الجامعية واعتقال المئات لا يشكل دليلاً كافياً للمتشككين في أن النخبة السورية كانت وما زالت في قلب الثورة
ثالثاً. مفهوم النخبة الأخلاقي. ربما كان البعض يفكر بمفهوم النخبة بمعنى التنوير الأخلاقي والسياسي. ليست النخبة حملة الشهادات الجامعية. يضم الشعب السوري آلاف الجامعيين الذين لم يحركوا ساكناً ضد الاستبداد على مدى عقود. النخبة تشكل طليعة أخلاقية تحمل رؤية مختلفة للمستقبل. أين النخبة، بهذا المعنى، من الثورة السورية؟ لماذا لا نجد هذه الرؤية في الثورة السورية؟ الإجابة واضحة. إن النخبة السورية تقود الثورة السورية، بهذا المعنى تحديداً. ينطبق هذا المعنى على قيادات الثورة في سورية. إنهم أولئك الذين ما زالوا يتظاهرون يومياً، ويواجهون الموت. نخبة المجتمع السوري يمثّلها غياث مطر وابراهيم قاشوش ومعن العودات. آلاف الشهداء والمعتقلين والمفقودين هم نخبة سورية. أولئك الذين يملكون رؤيا لسورية مختلفة، بنضالهم السلمي سيغيرون التاريخ
أين النخبة السورية؟ النخبة السورية في بابا عمرو والميدان، تقود الثورة السورية نحو مجتمع متعدد منفتح ديمقراطي

القدس العربي – 2011-11-09

http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today9qpt479.htm&arc=data\2011\11\11-099qpt479.htm