إضراب الكرامة: « إضراب شهر ولا ناتو دهر »! – محمد دحنون

Article  •  Publié sur Souria Houria le 10 décembre 2011

بعد شهر ونصف تقريباً من تسميّة إحدى جُمع الثورة السوريّة بجمعة « الحظر الجوي »، وبعد أسبوع فقط من جمعة « المنطقة العازلة »، التسميتان اللتان خاطبتا المجتمع الدوّلي، دَعت الثورة السوريّة آخر جُمعها بجمعة « إضراب الكرامة ». تسعى الثورة إلى استرداد « داخلها الوطني ». المقصود بذلك: جملة الإمكانات ووسائل النضال اللاعنفي التي لم تستثمرها الثوّرة حتى الآن، أو على الأقل، لم تستثمرها كما ينبغي
ليس بتسميات الجُمع يمكن للثوّرة، المستمرة منذ أكثر من تسعة أشهر، أن تحرّك شيئاً في ضمير المجتمع الدولي. وليس لها اليوم أن تستغني (أو تكتفي!) عن نشاطها الرئيسي المتمّثل في التظاهر لتلعب على قضيّة التدّخل الخارجي بمعناه الأكثر « خشونة » والأكثر إثارة للريبة في صفوف بعض المنضوين تحت لواء الثوّرة والكثير من فئات وشرائح ما يسمى الكتلة الصامتة!
تتفوّق الثوّرة، التي تواجه نظاماً يعتبره كثر من أعتى وأشرس النظم الاستبداديّة في العالم، على نفسها حين تعيد إلى السوريين، أمر التحكم بمسار كفاحهم النبيل. وتُخلص إلى مضمونها التحرّري أكثر فأكثر كلّما كانت « سوريّة » أكثر. هذا ما يؤكّد عليه بيان الدعوة إلى « إضراب الكرامة »، حين يجعل من العالم شاهداً على « انطلاق تطوّر جديد داخل الثورة السوريّة »، مخاطباً « الشعب السوري العظيم » ومعتبراً أنّه « بالإضراب والالتزام به وتصعيده نحو العصيان المدني نستعيد زمام الفعل السياسي، وننزع فتيل الانقسام المجتمعي، ونرد خطر التدّخل الخارجي، ونضع الثوّرة على طريق الديمقراطية الحقيقيّة وتثبيت مفهوم المواطنة الكاملة بالحقوق والواجبات »
العمل الدؤوب والمتأنّي الذي توافقت على دعمه والمبادرة إليه تنسيقيات الثوّرة العاملة على الأرض وجميع مجالس وهيئات المعارضة باختلاف أطيافها، حدّد أهداف الإضراب باثنين: سحب الجيش والأمن من الشارع، وإطلاق سراح كافة معتقلي الثوّرة.
لم يعدّ من داع للقول أن تحقّق هذين الهدفين كفيل، بمعنى ما، بتحقيق هدف الثوّرة الأوّل: إسقاط النظام بجميع رموزه وعلى رأسه بشار الأسد الذي كانت الثورة قد أسقطت شرعيّته في أواخر شهر حزيران الماضي
يبدأ الإضراب بمرحلة خلقت شيئاً من البلبلة بين صفوف المنتفضين بسبب طبيعة الشريحة العمريّة « للملتزمين المحتمَلين » بها، وهم طلاب المدارس. لكنّ أحد منشورات الإضراب يتضمّن ما يمكن اعتباره مبررات لمشاركة هذه الفئة: « حين تصبح المدارس معتقلات، حين يُسلّم التلاميذ من قِبل المدير إلى الأمن، حين يُقتل الأطفال في كلّ أرجاء سوريا.. حينها يصبح من يرسل ابنه إلى المدرسة متنازلاً عن حياة ابنه وكرامته وطفولته في سبيل قاتل سمّوه زوراً قائد! »
أمّا المرحلة الثانيّة من الإضراب فتتمثّل في إغلاق شوارع ومداخل الأحياء بشكل جزئي، وذلك لمنع عناصر الأمن والجيش والشبيحة من الاعتداء على الأحياء الثائرة. يعلّل أحد مناشير الإضراب هذا الإجراء بكون الثورة قد ولدت في هذه الأحياء « ومن التاريخ المختبئ بين حجارة حاراتنا.. ومن أنفاس الثائرين. لن نسمح لرصاص الغدر أن ينتهك حرماتها بعد اليوم… فلنغلقها في وجوههم ». تتضمّن هذه المرحلة، أيضاً، إغلاق أجهزة الهاتف المحمول لمدة ساعتين مع إضراب جزئي عن العمل
في مراحله اللاحقة، يتخذّ الإضراب منحىّ تصعيديّاً، للوصول إلى ما يسمى مرحلة « الإضراب القسري »، حيث يعمل الناشطون على إعاقة حركة السير وإغلاق المحال عبر تزويد أبوابها بأقفال جديدة أو وضع مادة الصمغ في الأقفال. يتضمّن الإضراب القسري ثلاث مراحل وهي: إضراب المحال التجاريّة، إضراب الجامعات، وإضراب النقل الذي يقوم خلاله المحتجون بإغلاق الطرق بين المدن والأرياف السوريّة
أمّا المرحلة الخامسة والتي يدعوها المنظمون بمرحلة الإضراب الكامل، فتتمثّل في إضراب موظفي الدولة. قبل الوصول إلى المرحلة السادسة، وهي العصيان المدني، والتي تتضمن إغلاقاً للطرق الدوليّة
ليس ثمّة أسئلة كثيرة عن نسبة نجاح الإضراب العام أو العصيان المدني. فعموم المدن والبلدات الثائرة ستجد فيهما سبيلاً ثوّرياً إلى تحقيق أهدافها، وربما كان السبيل الأقلّ كلفة بين المُمكن من السُبل. وليس من الممكن المراهنة على نجاح العصيان في عموم الأراضي السوريّة. لكن، من المرجّح، أن يقدّم الإضراب نموذجاً وطنيّاً للنضال من أجل الحقوق، يمكن أن يدفع شرائح من الكتلة الصامتة أو حتى المواليّة لإعادة تموضعها
لا تكتسب الثورة السورية نُبلها من كون خصمها (عدوّها!) على هذا المستوى من الوحشيّة والانحطاط الأخلاقي فحسب، ولكنّ لأنّها تواجه، خلال مسارها المعّقد والحافل بالمطبّات، مجمل الأزمات التي خلّفها هذا النظامُ على المستوى المجتمعي. لذا تبدو تجربة العصيان المدني إحدى حلول تلك الأزمات، باعتبارها تجربة وطنيّة عامّة لها أن تجمع بين مواطناً سوريّاً يقطن في ريف إدلب مع مواطن سوريّ في مدينة القامشلي!

(دمشق)

السفير – 10/12/2011

http://shabab.assafir.com/Article.aspx?ArticleID=5459