إعلام انتقائي ومون مستمر – سلام الكواكبي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 22 avril 2013

استطاع النظام السورى، ومنذ بدء المسار الثورى السلمى، وقبل بروز النشاط العسكرى فى الثورة السورية، من أن يمنع التغطية الإعلامية الحرفية أو المحايدة أو غير الموجهة. واستفاد بذلك من خيبات الأنظمة التى لم تلجئ إلى ذلك كما فى تونس وفى مصر، ودفعت ثمنا غاليا للتغطية الإعلامية الدولية لأحداثها. إضافة إلى استفادته من خبرة ممتدة لعقود مضت فى التعتيم الإعلامى ومصادرة الرأى العام والبروباجندا المتطرفة فى مآلاتها.

وعبر بعض رجالاته من الأمنيين والممولين، سعى النظام أيضا، مستندا إلى الخوف أو مستعينا بشراء الذمم، إلى تحوير الحقائق من خلال أدوات إعلامية شديدة القصور مما أضحك الموالين قبل المعارضين للأساليب المتبعة وكاريكاتورية المعالجة.

ومن الإنجازات الإعلامية، قصة «الذاكرات الرقمية» التى تحتوى على ما لذ وطاب من الفضائح بحق زعماء ناصبوا القيادة السياسية السورية العداء بعد أن كان بعضها مصدر تمويلها الذاتى والعام، وبعد أن كان البعض الآخر دعامتها سياسيا على الساحتين الإقليمية والدولية. وتحدّث الإعلام السورى الرسمى والخاص عن قيام قناة الجزيرة بإعداد استوديوهات خاصة وبتصميم مجسمات لساحات المدن السورية إبان التجمعات الكبيرة لتشويه «حقيقة» هدوء الأوضاع وعدم خروج السوريين والسوريات إلى شوارع حمص وحماه واللاذقية ودمشق وحلب وغيرها بمئات الآلاف. ووصل المستوى الإنسانى المتدنى إلى استنطاق الجثث أو التهكم على الجرحى قبل الموت بسؤالهم عمن قتلهم فيما يمكن اعتباره جرائم حرب، حيث يعتبر الإعلام، وفى مختلف القوانين الدولية، إحدى الأسلحة المستخدمة والتى يمكن لها أن تدين أصحابها كما حصل مع إذاعات الموت فى رواندا.

●●●

وقامت وسائل إعلامية عربية تابعة لدول قررت أن تعادى النظام لحسابات مختلفة، بالتركيز على جوانب معينة فى الثورة وعلى شخصيات محددة فيها مع محاولة تغطية الأحداث بقدر مقبول من المهنية أحيانا، وباستطرادات بعيدة كثيرا عن صلب الحدث وعن أهميته الإنسانية والسياسية والثقافية. فمن نافل القول بأن الجزيرة مثلا ركزت على المكوّن الإسلامى فى الثورة وقياداتها، حتى قبل أن تتصدر هذه القيادات المشهد. وسلّطت الضوء على مناطق جغرافية، مهمّشة بشكل يدعو للريبة، مناطق أخرى. وقابلتها قناة العربية، بتسليط الضوء على المكونات «الليبرالية» فى الثورة بعيدا عن أى منطق أيدولوجى يحدد نظريا هوية المحطتين. وبالمطلق، ساهمت الفضائيتان فى تغطية فعّالة ونقلت ما تيسّر من مشاهد وأحداث بعيدا عن التوظيفات أو الانتماءات أو الأجندات.

فى ذات الوقت، عمدت بعض وسائل الإعلام الغربية إلى التركيز قدر المستطاع على ما يجذب قراءها ومتابعيها بعقلية براجماتية شبة مطلقة. فركزت على مشاهد العنف والجثث والجهاديين والأعلام السوداء، والتى، على الرغم من تطور وجودها يوما بعد يوم فى ظل الاستعصاء القائم على أرض الحراك المدنى والعسكرى، فإنها لا تعكس فقط مجريات الحدث السورى. فنرى أنه من النادر أن يتم تسليط الضوء على النشاطات المدنية والإنسانية والإغاثية. وكذلك، تم تهميش عملية التفكير السياسى والإنتاج المعرفى التى رافقت وترافق الحراك الثورى القائم. فى حين تميّزت بعض القنوات الثقافية الأوروبية بتغطية معمّقة للأحداث مع إتاحة الوقت اللازم لاستعراض خلفيات الأحداث القائمة. وإن كان هذا نادرا، ونخبويا بعض الشىء، إلا أنه أتاح لمن يرغب من الغربيين فى متابعة ذكية أو أقل غباء وتشويقا مما جرت عليه العادة.

●●●

مشهد إعلامى متداخل ومعقد دفع إلى التماس الحاجة الملحّة للتغطية الإعلامية «المستقلة» نسبيا أو التى تنبع من احتياجات المعنيين بالشأن السورى مباشرة. مما أدى إلى تطوير وسائل إعلامية بديلة تعكس نشاط الصحفى/المواطن. فانتشرت الصحف السرية أو المنشورة إلكترونيا، وكذلك الإذاعات «الحرة» عبر شبكات الإنترنت بانتظار البث عبر الموجات القصيرة فى حال توفر الإمكانات. وبدا بأن الصحفى/المواطن القادم من بعيد والذى لم يمارس العمل الإعلامى إلا بسبب النقص والحاجة الملحة، أكثر وعيا لحساسية أدائه وخطورة رسالته ممن كان يعتبر نفسه فى الأمر عليما.

بالمقابل، يقتصر تأثير هذا النوع من الإعلام البديل على الساحة المحلية فعليا أو افتراضيا، ويمكن له أحيانا أن يتجاوزها باتجاه المغتربين من السوريين. حيث لا قدرة مادية ولا مهنية لهذا النمط الجديد ليشكل بديلا للرأى العام العربى والعالمى.

يستمر موت السوريين، وتنتقى وسائل الإعلام ما يناسبها مشكورة، ويستمر العجز عن نقل الحقيقة.