إفراط سوريين في الموالاة … وتفريط بالوطن – هيثم حقي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 29 septembre 2011

لم أتخيل أن يأتي يوم تصلني رسالة على هذه الدرجة من العنف والابتذال… لقد تجاوز المفرطون في موالاة النظام السوري كل القيم، وراحوا حقيقة يشبّحون يميناً ويساراً، ويسبّحون بحمد «سيد الوطن»، رافضين أي تغيير حتى لو أعلن بنفسه عن مشروعيته، وهو ما كرره في خطبه عن الإصلاح مبدياً بوضوح الرغبة بالتحول إلى التعددية والإعلام الحر، وحتى نسف الدستور لصوغ دستور جديد عصري، وهذا يعني تغيير النظام بالكامل من نظام الحزب الواحد إلى الدولة الديموقراطية المدنية المنشودة

لكن، لنعد إلى الرسالة

هي رسالة مثل كل الرسائل التي أرسلت لتهديد عدد كبير من المثقفين والمبدعين، وقد نفّذ البعض تهديداته انتقاماً من المبدع أو أهله، ما خلق صدمة حقيقية. في كل تلك الرسائل استخدمت لغة شتم قذرة للمثقف وأهله وخصوصاً أمه وأباه. فقد قام المفرط في الموالاة بشتم أمي، السيدة الفاضلة التي رحلت عن هذه الدنيا منذ سنوات عن عمر ناهز السادسة والسبعين. وهي المرأة التي قضت حياتها تعمل في مديرية الصحة، وشهد الجميع على تفانيها في عملها. وبعد تقاعدها استمرت بكونها نبعاً من الحب والكرم والتقوى حوّلها أيقونة بعيون كل من عرفها

شتم أبي، الذي كرّس حياته من أجل تعليم جيل من التشكيليين السوريين حيث نقل بكل سخاء فنه ومعرفته التي جناها بصفته من أوائل خريجي أكاديمية الفنون في روما إلى جيلين على الأقل من أهم فناني حلب الذين تفخر بهم سورية اليوم، عدا عن فنه الشخصي الذي ما زال متحفا حلب ودمشق يحتفظان ببعض من أجمل لوحاته. كذلك يشهد تاريخ مسرح الشعب في حلب على الديكورات التي صممها لجلّ عروضه… وأبي الذي شتمني هذا المفرط في الموالاة بانتســابي إليه قائلاً يا ابن «…» كان موسوعة ثقافية متنقلة ساهم في كل نشاطات الحركة الثقافية السورية، ولا يزال حتى يومنا هذا يكتب عنه أطيب الكلام، على رغم أنه رحل عن هذه الدنيا منذ أكثر من ثلاثين عاماً

لم يكتفِ هذا المفرط في الموالاة بشتمي بأبشع الأوصاف، بل هددني بقلع عينيّ، مثلما كسروا أصابع رمز من رموز الثقافة السورية، باعتراف مرسل الرسالة، والذي سمّاه: «العرعوري علي فرزات». قال لي (عامل حالك مخرج) وكل إعلام سورية وفي كل محافلها يُسمّيني، من دون سعي مني، شيخ المخرجين السوريين، وعرّاب الدراما السورية، وأحد مؤسسي صناعتها الدرامية التي أصبحت فخر سورية

لكن الأفظع هو قسمُه أنه سيركّعني. ولست أفهم هذه الرغبة في الركوع والتركيع هل هي الرغبة بحشرنا جميعاً في حلقة الساجدين على الصور حتى يحسّ الراكعون الطوعيون بتفوقهم على الراكعين القسريين؟

كل هذا من أجل ماذا؟ يقول المفرط في الموالاة: أتريد دولة مدنية؟ أتريد حرية يا…؟

هكذا إذاً، كل الحديث عن الإصلاح والتغيير والتعددية الحزبية وتغيير الدستور والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، كل هذا بالونات في الهواء برأي هؤلاء، والويل والثبور لمن يقول بذلك من المعارضة؟

خلال هذه الأشهر التي مضت على الانتفاضة الشعبية في سورية مرّت نماذج من الإفراط في الموالاة نَبّهتُ عنها في بعض مساهماتي على شبكة التواصل الاجتماعي (الفايسبوك) وسأمرّ على أبرزها

في أحد أيام جمعة دامية قرأت رأيين لمواليين، شديدي الموالاة، من الفنانين. الأول يقول إن كل متظاهر متآمر. والثاني يمتدح يوم الجمعة في دمشق «حيث خرج الناس في نزهاتهم رجالاً ونساء وأطفالاً في جو بهيج من الحرية». الأول يخوِّن من دون تردد، والثاني ينفي وجود الآخر، الذي سقط منه في اليوم نفسه شهداء وجرحى، وخرج بآلافه وعلى امتداد الوطن ينادي بالحرية

هل هؤلاء الزملاء الفنانون فعلاً لا يريدون ما يقول الجميع إنهم يصبون إليه: سورية ديموقراطية؟؟

تذكرت بهذه المناسبة مشهداً من فيلمي القصير «اللعبة» (1979)، حيث يأتي البطل المكلف تقديم صور يومية عن الأطفال، لمناسبة العام الدولي للطفل، إلى مسؤول الصفحة في الجريدة، حاملاً صوراً رأيناه حين صورها، وقد نزل فيها إلى قاع المجتمع، لينجز صوراً لأطفال تُظهر البؤس والمعاناة التي يعيشونها من فقر ونزول مبكر إلى سوق العمل إلى حارات مكتظة بأطفال لا مكان لهم للعب والتنفس… باختصار أطفال سورية «المعترين». يقدم الصور لمسؤول الصفحة فيقول هذا وقد امتعض من الصور: منين جايبلي هالمعترين هدول؟ فيرد المصور الفخور بإنجازه: هدول اللي عم شوفهن بطريقي. فيرد المشرف الرقيب: إي غيرّ طريقك وخلصني

مخرج سينمائي وتلفزيوني سوري

الحياة – الخميس، 29 سبتمبر2011

http://www.daralhayat.com/portalarticlendah/312463#.ToQzqE-NLbZ.facebook