إيران وأمريكا: الحلم والأضغاث – صبحي حديدي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 1 octobre 2013
قبل أيام، في استباق أجواء الانفتاح التي أشاعها الرئيس الإيراني حسن روحاني، تجاه الغرب عموماً والولايات المتحدة بصفة خاصة؛ نشرت صحيفة الـ »غارديان » البريطانية مقالة بتوقيع رئيس إيراني آخر، أسبق، هو محمد خاتمي، عاد فيها بالذاكرة إلى تجربته الشخصية في تلمّس دروب انفتاح مماثلة، وما انتهت إليه، بعد عقد ونيف.

وقد أوضح خاتمي أنّ سنة 2001 سُمّيت، بناء على اقتراحه، « عام الأمم المتحدة للحوار بين الحضارات »؛ لكنّ السنة انصرمت دون نجاح في اختراق المعضلات السياسية العصيّة، سواء داخل إيران أم خارجها. واليوم، لأنّ الشرق الأوسط بات مركزاً لقوى سياسية واجتماعية وإيديولوجية جديدة، فإنه أيضاً صار ميداناً لتعاون أو تنازع قوى من خارج المنطقة. الأمر، إذاً، يستوجب حواراً متجدداً عماده اللغة السياسية والدبلوماسية، خاصة وأنّ روحاني يحظى بثقة شرائح واسعة من أبناء الشعب في إيران، والبلد عاقد العزم على التبدّل، والفشل في هذه الحال سيكون نجاحاً للقوى المتشددة على الجانبين.

كلام وردي، بالطبع، يتحاشى ـ عن سابق عمد وتصميم، ومغالاة في افتراض حسن النيّة لدى المتحاورين ـ أيّ دخول في الملفات الشائكة، والراهنة تحديداً؛ فلا يذكر سورية بتاتاً، ويعتبر أنّ التأزم حول البرنامج النووي الإيراني مردّه تعثر الدبلوماسية ودور إسرائيل في تخريب المفاوضات، ويضرب صفحاً تاماً عن الصراعات بين المحافظين والإصلاحيين داخل السلطة الإيرانية ذاتها؛ كما يتفادى أية إشارة إلى طبيعة، ومدى، التفويض الذي حصل عليه روحاني من آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية.

وهكذا فإنّ المرء يعود بالذاكرة إلى مزاج وردي مماثل، اكتنف مقابلة متلفزة أجرتها شبكة CNN الأمريكية مع خاتمي، في سنة 2001، قال في جزء مدهش منها: « الحضارة الأمريكية جديرة بالاحترام. وحين نثمّن جذور هذه الحضارة، فإنّ مغزاها يصبح واضحاً أكثر. وكما تعلمين [مخاطباً الصحافية كريستيان أمانبور، ذات الأصول الإيرانية]، هنالك في بليموث، ماساشوستس، صخرة يحترمها ويبجلها كلّ الأمريكيين. إن سرّ الحضارة الأمريكية يكمن في هذه الصخرة ».

والحال أنّ خاتمي كان يتحدث عن « الحلم الأمريكي »، دون سواه؛ ذلك المفهوم الصوفي السحري الذي يسير على ألسنة الساسة الأمريكيين في كلّ موسم انتخابي، أو كلما تعيّن دغدغة أنفة الأمريكي أو غطرسته الموروثة بمعنى أدقّ. وعلى نقيض ما رأى خاتمي، فإنّ التاريخ الأمريكي يقول أشياء أخرى عن تلك الصخرة، ويسجّل للحلم قيامه على الطهورية (البيوريتانية) في البدء، فقط؛ إذْ نهض بعدئذ على شهوات لاطهورية ودنيوية صرفة: الفتح، التوسع، الهيمنة، الأسواق، الاستثمار، التراكم…

والحكاية الأشهر في هذا الصدد تقول إن المهاجر الإنكليزي جون ونثروب أبحر في عام 1630 على ظهر السفينة « أرابيلا »، في طريقه إلى العالم الجديد. وعلى مبعدة فراسخ قليلة من شواطىء أمريكا نطق ذلك الطهوري الحالم بتلك الجملة الذهبية: « إنني أحلم بأمريكا على هيئة مدينة في أعلى هضبة خضراء، تحفّ بها البراري والمراعي والكنائس »؛ ليردف، دون إبطاء، بما يكفي من ذرائعية صارخة: « هدفي هو الحرية، ولكنّ مخططاتي على المدى البعيد ستكون الاستئثار بأقصى ما يتيحه لي الربّ من عقارات وثروات ». وبالفعل، أرسى ونثروب قلوعه عند الصخرة التي امتدحها خاتمي، ثمّ أقام مستعمرة بوسطن، وأسّس شركة ماساشوستس من عرق ودماء الزنوج العبيد، وانتُخب حاكماً مدى الحياة.

والمشكلة أنّ « الأمة الأمريكية العظيمة » مصابة بتخمة الحديث عن الصخرة البيوريتانية والحلم الأمريكي، ولم يكن في مقدور خاتمي أن يضيف أي جديد إلى بضاعة عتيقة تمرّس في طرحها ساسة أمريكا طيلة قرون، وليس طيلة عقود. المشكلة الأخرى أنّ صخوراً من نوع مختلف كانت تنتظر خطابه الانفتاحي الحضاري، وعليها سوف تتكسر المفردات التصالحية، غير بعيد عن صخرة ماساشوستس التي يتعاقب على حراستها المحافظون مثل الليبراليين، القدماء منهم أسوة بالجدد؛ وغير بعيد عن صخرة إيرانية، صلدة كتيمة بدورها، اسمها الوليّ الفقيه، صاحب القول الفصل القاطع، في الانفتاح أو الانغلاق.

الأمور بخواتيمها مع ذلك، واليوم التالي لمشروع روحاني، الهادف إلى وضع إيران في حال من « الاشتباك البنّاء » مع العالم، غير بعيد؛ بل لعلّه، لناظريه، قريب… جدّ قريب!

الجمعة 27 سبتمبر 2013 / 00:09