ادخلوا مصر آمنين.. حقاً؟ – صبحي حديدي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 7 décembre 2013
بلال فضل (الكاتب في صحيفة « الشروق » المصرية، وأحد القلائل الذين يواصلون القبض على جمرة الشجاعة السياسية والنزاهة الأخلاقية، في مصر هذه الأيام)، نشر مؤخراً عموداً عنوانه « بسلام آمنين! »؛ مستوحى، كما هو معروف، من الآية القرآنية « ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين »، والتي يجدها الواصل مدوّنة على مدخل مطار القاهرة. لكنّ فضل يريد المعنى النقيض في الواقع، ومن هنا علامة التعجب في عنوان عموده؛ أو، على الأقلّ، يشدّد على التشكيك في أنّ زائر مصر الراهنة يمكن أن يدخلها آمناً، خاصة إذا كان… سوريّ الجنسية!
والعمود ينقل عن الصحافية المصرية نهلة النمر سلسلة مشاهدات، جرى توثيقها وتصويرها، لأحوال « إخواننا اللاجئين السوريين المحتجزين في الإسكندرية »، ويهدي تقرير زميلته إلى « الفريق أول عبدالفتاح السيسي الذى يقولون إنه سيعيد أمجاد القومية العربية فى مصر، وإلى الرئيس القاضي عدلي منصور الذى أقسم بالله أنه لا يوجد أحد يمنعه من ممارسة سلطاته كاملة، وإلى الدكتور حازم الببلاوي قائد الجناح الديمقراطي فى حكومة الحرية الحمراء، وإلى المناضلين القدامى وزراء الحكومة الديمقراطية ورفاق حامي الأمن والأمان اللواء محمد إبراهيم، وإلى كل من كان لديه قلب أو أوعى السمع فهو شهيد ».
والنمر تبدأ بتسجيل حقيقة أولى، مفادها أنّ « أخواتنا السوريات » أصبحن في عرف شرطة الإسكندرية « سجينات »، والتهمة هي « محاولة الهرب » من مصر، واعتقالهنّ دائم مفتوح رغم أنّ جميع قرارات النيابة جاءت بإخلاء سبيلهنّ. التفصيل الثاني في التقرير يشير إلى أنّ جميع المحتجزين، ذكوراً وإناثاً، شيباً وشباباً، لديهم تصاريح قانونية بالإقامة في مصر، ولم يتخذوا القرار الصعب بالمغادرة إلا بعد أن تراكمت عليهم أنساق التضييق والمعاملة السيئة والتحريض، فضلاً عن التشكيك السياسي والتأثيم الأخلاقي، عبر وسائل الإعلام أوّلاً (والمرء يتذكر ذلك المذيع الشهير، البهلوان على النحو الأشدّ خسّة ونذالة وافتئاتاً وبهتاناً، الذي اتهم النساء السوريات بممارسة الدعارة المأجورة في اعتصام رابعة). وأمّا الجانب السوريالي في هذا التفصيل، فهو أنّ الجهات الأمنية المصرية ألغت الإقامات تلك، أو أوقفت تمديدها؛ في حين أنّ الشرطة، وسلطات الاحتجاز، مدّدت الإقامات ذاتها… لكي يصبح الاعتقال قانونياً!
التفصيل الثاني (ونعرضه، هنا، بعد تحويل لغته من العامية المصرية إلى الفصحى)، يسير هكذا، حرفياً: وإذا كنّا لا نفهم غرض الأمن من استمرار حبس نساء وأطفال، بينهم رضّع »، في ظروف غير إنسانية ولأسباب غير واضحة، فإنّ ما لا يُفهم أكثر هو تصرفات ضباط قسم « المنتزه تاني » على وجه التحديد، وممارساتهم الغريبة تجاه النساء السوريات المحتجزات، اللواتي خرجن من بلادهنّ هرباً بأعراضهنّ من الاغتصاب، وأتوا إلى مصر كملاذ وحماية بين ظهراني المصريين، فكان جمالهنّ نقمة عليهنّ في بلادنا. ما تتعرّض له النساء السوريات في هذا القسم هو انماط متعددة من التحرش، بينها الشتائم والسباب بكلّ الألفاظ الجنسية التي لم ترد يوماً على آذانهنّ، إلى حدّ دفع إحدى السيدات إلى أن تصرخ في الضابط المتحرش: « لماذا تخاطبنا هكذا؟ نحن نساء شريفات لم نأتِ إلى هنا بسبب تهمة أو ارتكاب إثم ». ردّ الضابط الهمام كان فرض عقوبة جماعية، وإغلاق الأبواب على الجميع، ممّا جعل الأطفال يتبوّلون على أنفسهم!
تفاصيل أخرى تتحدث عن طعام المحتجزين، الذي توفّره أصلاً مفوضية اللاجئين وليس إدارة الشرطة، وكيف يُنهب القسط الأعظم منه، فلا يتبقى إلا الفتات، وهذا بدوره يصبح موضوعاً للابتزاز؛ وحين فكّر المحتجزون في الإضراب عن الطعام، احتجاجاً على سوء المعاملة والتحرّش الجنسي، جاءت الفكرة برداً وسلاماً على ضباط الشرطة وعناصرهم، فاستولوا على مخصصات الطعام بأكملها! حكاية وجود حمام واحد للجميع، أي للشرطة مثل المحتجزات والمحتجزين، وما أسفرت عنه من أهوال أخلاقية؛ تدفع النمر إلى القول: ما أعرفه هو أنّ حماية عرض أي إنسانة في بلدنا، هي جزء من عرض وشرف بلدنا.
وإذا كان فضل قد شاء إهداء التقرير إلى السيسي ومنصور والببلاوي وإبراهيم، فإني من جانبي أهديه أوّلاً إلى مثقفين وكتّاب مصريين على شاكلة علاء الأسواني، الروائي والناشط النجم، الذي انزلق بدوره إلى تلك الهوّة السحيقة، المخزية المعيبة؛ فلم يتخذ موقفاً صريحاً يردع أصوات التجريح بالسوريين على أرض مصر، وأمسك العصا من منتصفها، الزائف والتضليلي: طالب بالتمييز بين « الأبرياء » و »العملاء »، فأنعم على الفئة الأولى بالإشفاق، وأنزل بالفئة الثانية العقاب، وكأنّه ـ أسوة بعناصر أجهزة الأمن المصرية، ومحترفي الردح والشتائم على الفضائيات البذيئة المنفلتة من كلّ عقال ـ حامل غربال سحري قادر على كشف سوأة العميل، وردّ اعتبار البريء.
ولستُ، في المقابل، أجد جدوى من إهداء التقرير إلى أمثال جمال الغيطاني (الذي امتدح جيش بشار الأسد مؤخراً، ونزّهه عن ارتكاب المجازر استخدام السلاح الكيميائي)؛ أو حمدين صباحي (لأنّ « العرق دساس »، ومَن امتدح صدّام حسين ذات يوم، يمتدح أضرابه من الطغاة في أيّ يوم)؛ أو فريدة الشوباشي (العاجزة عن التمييز بين استبداد آل الأسد وغلوّ الجهاديين، وبات أفضل شعاراتها اليوم: « نعم، السيسي هو رئيسي »!)؛ واللائحة، للأسف، طويلة طويلة… تبيح التساؤل الجارح، والمشروع: أما زلنا ندخلها، حقاً، آمنين؟