الأسد و »داعش ».. والسوريون المسيحيون – منار الرشواني

Article  •  Publié sur Souria Houria le 8 mars 2014

إضافة إلى الانسجام مع تاريخ طويل من الاستبداد بأبشع صوره، يتمثل أحد التفسيرات المنطقية تماماً لسياسة الأرض المحروقة والمذابح الجماعية التي يرتكبها نظام بشار الأسد بحق المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرته، في السعي إلى منع وجود حياة وإدارة مستقرتين في تلك المناطق. وهو ما يفسر بدوره استهداف حتى مدارس أطفال هناك، وتجمعات مواطنين يحاولون شراء الخبز أو سواه من الاحتياجات الأساسية.
ومن ثم، يمكن القول مبدئياً إن غياب أي استهداف من قبل نظام الأسد للمناطق التي يسيطر عليها تنظيم « الدولة الإسلامية في العراق والشام » (داعش)، هو ما يسمح لهذا التنظيم، في المقابل، بإنشاء إدارته المستقرة جداً، حد إقدامه، يوم الأربعاء الماضي، على فرض ما سماه « جزية! »، يجب أن تكون من الذهب الخالص، على المسيحيين من مواطني مدينة الرقة! أما إذا لم يكن ثمة تحالف وتواطؤ بين النظام و »داعش »، فيكون التفسير الآخر لـ »تسامح » الأسد مع التنظيم هو تمكين الأخير من تنفيذ أجندته التي تخدم النظام فقط. إذ هي تسمح بتأكيد ما أصر الأسد على ترداده على مسامع الغرب أساساً، كما بعض السوريين، بأن إرهاب نظامه يظل أفضل من إرهاب تنظيمات تمكنت باسم الثورة أو بسببها، علماً أن النظام وحلفاءه وشبيحته يصورون تلك التنظيمات على أنها هي كل الثورة.
لكن بين التفسيرين، يظل واضحاً أن الأسد هو المسؤول عن معاناة كل السوريين، مسيحيين أو سواهم، على يد « داعش » وسواها من التنظيمات المتطرفة الإرهابية، والعصابات الإجرامية. ولتتأكد مرة أخرى حقيقة أن نظام الأسد إنما يتخذ المواطنين المسيحيين، وسواهم من أبناء الطوائف السوريين، محض دروع بشرية لإطالة أمد بقائه. إذ لو كان هذا النظام يحارب التكفيريين فعلاً، فعدا عن استهدافه « داعش »، لكان أطلق سراح معتقلين سياسيين أفنوا عمرهم مطاردين قبل أن يُزجوا في السجون، بينهم العلوي من مثل د.عبدالعزيز الخيّر، والمسيحي من مثل وسام فايز سارة الذي قضى قبل أيام تحت التعذيب في سجون النظام؛ وبينهم قوميون وشيوعيون.
من جانب آخر، وفيما يتعلق بأصحاب النوايا الصادقة بالخوف على تنوع الوطن السوري دينياً ومذهبياً، فإن التركيز على معاناة السوريين المسيحيين خصوصاً، إضافة إلى السوريين من أتباع الأديان والمذاهب والطوائف الأخرى من غير الأغلبية السُنية، إنما يُضر المسيحيين كمواطنين سوريين وليس العكس.
فالحقيقة أن « داعش » تمارس أبشع الجرائم بحق السوريين عموماً في المناطق الخاضعة للمعارضة فقط، بما في ذلك استهداف المواطنين الموجودين في أسواق بسيارات مفخخة. لكن التركيز على المسيحيين فقط، يعزلهم عن مواطنيهم ويجعلهم في أفضل الأحوال « الضحايا المحظوظين »؛ إذ ينالون التغطية الإعلامية، والتعاطف، وحتى اللجوء اللائق في دول أوروبا، هذا في مقابل التعامل بشديدِ عادية وحتى لامبالاة مع قتل آلاف السوريين على يد قوات النظام، واعتقال أضعافهم في سجون يسامون فيها سوء العذاب، بلا جريمة ولا حتى تهمة، سوى الانتماء للأغلبية! وهو ما ينطبق أيضاً على الموقف من تدمير نظام الأسد للمساجد، وصولاً إلى تهجيره الملايين، ليعيشوا في خيام، وبلا أدنى متطلبات البقاء على قيد الحياة في حالات كثيرة.
مرة أخرى، لا بد من التذكير بالحقائق التي لا يأتي على ذكرها أنصار الاستبداد، المتاجرين بأرواح المواطنين وكرامتهم أياً كان دينهم وطائفتهم، وهي أن الهجرات الكبرى للمواطنين العرب المسيحيين من أرضهم تمت في عهد الاستبداد العربي القومي العلماني، والذي في عهده أيضاً نشأ كل التطرف وتجذر وازدهر. وليس عذراً حتماً الجهل بهذه الحقائق أو تجاهلها.