الأسد يلقي خطاب النصر الموهوم! – منار الرشواني

Article  •  Publié sur Souria Houria le 9 janvier 2013

لوهلة، بدا خطاب بشار الأسد أمس وكأنما كُتب من قبل شخصين مختلفين ومتباعدين، لم يلتقيا حتى لإدماج قسم كل منهما معاً بشكل منطقي. وعلى سبيل المثال فقط، فبعد التمييز « اللافت » بشأن معارضة الخارج بين تلك التي « تقيم في الخارج » وتلك التي « تخضع له وتأتمر بأمره »، استدرك الأسد بالمستثنيين من دعوته إلى الحوار الوطني، بحيث لم يكد يبقى -كما أشار هو نفسه- إلى من يتحاور معه. وحتى شكلياً، ظهر عدم الترابط في الخطاب عند الحديث عن دور الحكومة خلال مراحل التسوية السياسية الموعودة، إذ اضطر الأسد إلى العودة إلى أوراقه أمام شاشات التلفزة ليوضح التكرار غير المفهوم لذات الدور الحكومي في مرحلتين منفصلتين.
لكن الحقيقة أن الإشارات الإيجابية الأقل من نادرة في الخطاب، لا تعبر أبداً عن تناقض مع الجوهر المتمثل في الحل الأمني الصفري الذي أكد الأسد تمسكه به في مواجهة الأزمة. وإن كان لهذه الإشارات الإيجابية من غرض، فليس أكثر من إظهار شيء من التواضع باعتباره زينة جميلة للنصر الكاسح الذي يؤمن الأسد أنه في الطريق إلى تحقيقه كما أكد أمس، والعودة فعلاً، لأربعين سنة أخرى ربما، إلى ما قبل 15 آذار (مارس) 2011؛ تاريخ انطلاق الثورة السورية.
فرغم أن « المعاناة تعم سورية » بكلمات الأسد، إلا أنه لا توقف للعمليات العسكرية، ولا حتى بالتزامن مع الثوار أو المسلحين. وإذا كان من الممكن إيجاد واختلاق أعذار كثيرة لهذا الموقف، فإن الصفرية الدموية للنظام تتجلى تماماً في الدعوة إلى الحوار مع المعارضين. فحتى في حال إيجاد « الزوجة التي ترتضي الزواج (الحوار) »، بحسب تشبيه الأسد المنطوي على تقزيم مهين لما تعانيه سورية والسوريون منذ عامين، فإن هكذا حوار يكون مع الحكومة التي لا تملك من أمرها شيئاً، قبل الثورة، فكيف الحال بعدها! وعلماً أن مبادرة الحوار الوطني السابقة التي بدت ممكنة الإنجاز وقتها إنما كانت برعاية نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع.
ولأنه منتصر، أو هكذا يظن، يذكرنا الأسد ضمنياً بمقابلته الشهيرة بسوء صيتها مع صحيفة وول ستريت جورنال عشية الثورة. يومها كانت الإصلاح في سورية برأيه يحتاج ثلاثين عاماً. فهو اليوم ما يزال على رأيه بعد ستين ألف قتيل وملايين اللاجئين والنازحين والمفقودين، كما يظهر من خلال مراحل التسوية التي يقترحها: « اقتناعه » بوقف الدعم الإقليمي والدولي للثورة، وهو ما لا يتحقق طبعاً إلا بسحق الثوار تماماً؛ ليبدأ بعد ذلك ماراثون مفاوضات بين المعارضين المنتقين وموظفي الحكومة برتبة وزير أو ما دونها، وصولاً إلى ميثاق وطني يطرح للاستفتاءالشعبي، ليلي ذلك تشكيل حكومة موسعة، فدستور جديد، فاستفتاء على الدستور، ثم حكومة جديدة. وطوال هذه الفترة، سيبقى المعتقلون بدون محاكمة (أو من تبقى منهم) رهائن إلى حين إنجاز كل تلك المراحل. إذ بعد ذلك فقط سيصار إلى عقد مؤتمر عام للمصالحة الوطنية وإصدار عفو عام!
لربما تكون لدى الأسد معطيات تقنعه بقدرته على الحسم العسكري، لكنه يظل مع ذلك منبتاً عن الواقع تماماً بخطاب نصره الموهوم؛ إذ لا يدرك أبداً أي نصر يغذ الخطى إليه وإن تحقق.
فبالنظر إلى امتدادات الثورة وضحاياها، والطبيعة المذهبية والطائفية للانشقاقات العسكرية والمدنية عن النظام، لم يعد أحد يستطيع إنكار أن الأسد لم يعد يمثل الشعب السوري أبداً. وهو سيكون في أحسن أحواله « رئيس نظام بلا شعب »، أو بعبارة أدق آمر سجن بحدود سورية التي لا تعني له أكثر من سدة الرئاسة ومنافع الدائرة الضيقة التي يثق بها ويسلم أمره لها في مواجهة الأغلبية المهانة والمدمرة والمسحوقة، والتي يخاف دوماً من ثورتها وانتقامها.

http://www.alghad.com/index.php/afkar_wamawaqef2/article/31671/%D8%A7%D8%B3%D8%AF-%D9%8A%D9%84%D9%82%D9%8A-%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D9%87%D9%88%D9%85%21.html