الأمور بخواتيمها! – منار الرشواني

Article  •  Publié sur Souria Houria le 17 août 2013

ليست أخباراً سيئة للجميع إزهاق أرواح المئات في ميدان « رابعة العدوية » بالقاهرة، وما تبعها وسيتبعها من مواجهات واقتتالات بين الإخوة، والتي ظن البعض حتى فترة قريبة جداً أنها من مستحيلات الحاضر والتاريخ المصريين. على العكس، فإن تلك الأحداث ستبدو تأكيداً لمن حذروا من التحرك ضد الاستبداد الذي هو خيار العربي الوحيد، بل وقدره. كما أنها قد تبدو بمثابة « تأييد إلهي » لمن شيطنوا الإسلاميين الذين سيغدون الآن، بالدليل القاطع، المسؤولين عن كل خراب مصر؛ لا خلال الأيام الماضية والتالية فقط، ولا حتى في عام حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، بل لربما منذ عهد الفراعنة قبل تنزّل الإسلام ذاته.
أهم من ذلك أن مصر ليست وحيدة في تجسيد العقاب الذي يحل على مرتكبي « خطيئة » التمرد على الاستبداد. أما كان أفضل للسوريين أن يرفلوا بنعيم الاستبداد والفساد؛ فيموتوا بصمت مُزوّق، ويعتقلوا، ويُفقروا، ويتخلفوا على كل صعيد، بدلاً من أن تحكمهم « القاعدة » وابنتها « جبهة النصرة » التي يستهويها القتل « الموثق »، بخلاف النظام، بأشرطة فيديو؟! وقس على ذلك طبعاً جنّة معمر القذافي التي تنكر لها الليبيون الجاحدون لأجل جحيم الفصائل والمليشيات المسلحة.
عند هذا الحد، يبدو حل الأزمة الصحيح والمطبق فعلاً، هو استئصال « القاعدة »، بل وكل الإسلاميين، مرة وإلى الأبد. وبالتبعية، يكون ضرورياً دعم نظام بشار الأسد، وإعادة عرش الحكم إلى عائلة حسني مبارك أو أحد عسكرييه، وكذلك تتويج أحد ورثة القذافي « رئيساً » على الجماهيرية لتعود عظمى كما كانت لعقود!
طبعاً، لا بد وأن يذكر هذا الحل « الواضح » بالحل الأميركي المتمثل في الحرب التي لا تنتهي على « الإرهاب ». ففي الحالين، كان وما يزال من غير المسموح به طرح السؤال عن المسؤول عن بروز « القاعدة »، بل وحتى تدريبها ورعايتها في مراحل سابقة؛ كما المسؤول عن إشاعة وتجذير ثقافة الكراهية واليأس اللتين لم يرسلها الجان والشياطين أمس! لكن إذا كانت الولايات المتحدة تسفك دماء غير مواطنيها خصوصاً، وخارج أراضيها، فإن وقود الحل الاستئصالي الرسمي العربي ليس إلا من يُفترض أنهم مواطنون؛ أكانوا معارضة أو ثواراً أو جنوداً، تُسفك دماؤهم على الأرض العربية، ويدفنون تحت ركامها.
المستبدون وأنصارهم يجهدون للتبشير بأن خواتيم « الربيع العربي » ليست إلا محض تطرف وإرهاب وحروب أهلية. لكن هذا المنطق ذاته الذي يدعي الحرص على « الدولة »، لا يوصل إلا إلى ذات النتيجة: ضياع الأوطان؛ إنما استبداداً وفساداً، وحيث يكون قدر « المواطن »، بدل « الموت الخشن » في حروب أهلية معلنة، هو « الموت الناعم » الذي يوفره له الاستعباد؛ يعمل لأجل سادته ورفاههم، ويعاقب بالسجن والإخفاء والتعذيب والموت إن استشعر إنسانيته أو طالب بها.
الأمور بخواتيمها فعلاً، لكن الحقيقة أن كل الويلات التي يعانيها العربي اليوم ليست إلا خواتيم عقود الاستبداد، وخواتيم فكر وسياسات نخب رتعت في بيئته، وإن كانت يوماً تقول بمعارضته؛ لكنها تلتقي مع نخب الفساد والاستبداد على احتقار المواطن الذي يداس دائماً في الطريق إلى السلطة.