الإسلاموفوبيا والزنجي الباذنجان – صبحي حديدي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 22 février 2015

Photo_Subhi Hadidiالإسلاموفوبيا والزنجي الباذنجان – صبحي حديدي

ذات يوم، قبل عقد من الزمان، توصّل الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن إلى هذا الاكتشاف العبقري: «إنّ الراديكالية الإسلامية، مثل الأيديولوجيا الشيوعية، تحتوي على تناقضات موروثة تحتّم فشلها. وفي كراهيتها للحرّية، عن طريق فقدان الثقة في الإبداع الإنساني، ومعاقبة التغيير، والتضييق على إسهامات نصف المجتمع، تنسف هذه الأيديولوجيا السمات ذاتها التي تجعل التقدّم الإنساني ممكناً، والمجتمعات الإنسانية ناجحة»
كان بوش يلقي، في «المعهد الوطني للديمقراطية»، خطبة فريدة، مشحونة ومحمومة، طافحة بالرطانة والمصطلحات الملقاة على عواهنها، حتى أنّ أسبوعية «نيوزويك» لم تتردد في وصفها بـ»القنبلة العقائدية». وكانت البرهة لا تقلّ فرادة، في الواقع، لأنها مثّلت واحدة من ذرى تجسّد الخطّ المتشدّد لرهط «المحافظين الجدد»، إزاء الإسلام تحديداً؛ في شخص، ومزاج، رئيس لم يتردد في اعتبار غزو العراق تكملة للحملات الصليبية
وفي تلك الخطبة، استخدم بوش ـ للمرّة الأولى، بلسان رئيس القوّة الكونية الأعظم ـ تعيبر «الإسلام الفاشي»، ضمن تنويعات أُلقيت، بدورها، على عواهنها: «الأيديولوجيا الإجرامية للإسلاميين الفاشيين هي محكّ القرن الجديد الذي نعيشه. غير أنّ هذه المعركة تشبه، في أوجه كثيرة، الكفاح ضدّ الشيوعية خلال القرن المنصرم. فالراديكالية الإسلامية، تماماً كالأيديولوجيا الشيوعية، تتصف بأنها نخبوية، تقودها طليعة تعيّن ذاتها بذاتها، تنطق باسم الجماهير المسلمة. بن لادن يقول إنّ دوره تعليم المسلمين ما هو خير لهم وما هو ليس بخير. وما يعتبره هذا الرجل، الذي تربى في الرخاء والثراء، خيراً لفقراء المسلمين، ليس سوى أن يصبحوا قتلة وانتحاريين»
طريف، رغم أنه يثير الحزن والأسف أيضاً، أنّ رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، اكتشف بدوره مصطلح «الإسلام الفاشي»؛ مقتفياً خطى بوش، ولكن بفارق عقد من الزمان، وعشرات الآلاف من الضحايا، سقطوا على طرفَيْ معادلة جهنمية: الإرهاب الأعمى الذي تمارسه التنظيمات الجهادية المتطرفة، وإرهاب الدولة العشوائي التي تمارسه أنظمة وجيوش جرارة وقاذفات وصواريخ عابرة للقارّات… بذريعة «الحرب على الإرهاب». المفارقة أن مراكز بحث حكومية أمريكية كانت قد أوصت كبار مسؤوليها، وخاصة الرؤساء، بالامتناع عن استخدام مصطلح «الفاشية الإسلامية»؛ أمّا فالس، رئيس حكومة «اشتراكية» و»يسارية»، فإنه سارع بنفسه إلى السقوط في إغواء مصطلح ـ خاطىء وذميم ومضلِّل وقاصر وبالغ الأذى ـ وكأنه «وجدها» على نحو أرخميدي لا سابق له ولا نظير!
والحال أنّ أخطر خدعة في «حروب» الإسلاموفوبيا هي هذه، بالضبط: سيرورة انتزاع المصطلحات من سياقاتها، بل من كلّ سياق ملموس يقترن بها؛ ثمّ دمجها، قسراً وتعسفاً، في شبكة دلالية مسبقة، أو جاهزة نمطية (كما في المماثلة بين الإسلام والشيوعية)؛ وأخيراً ضخّ هذا المزيج المتنافر، هكذا، اعتباطاً، على عواهنه، في أذهان جاهزة لتلقّف الجاهز، والجاهز وحده تقريباً. وكما أنّ الونجي اسود، والباذنجان أسود، فالزنجي باذنجان، حسب المنطق الأحول والأهبل العتيق؛ كذلك فإنّ الإسلام إرهابي لأنّ الإرهابي مسلم، وحدهما، ولا إرهاب يُنسب إلى سواهما
غنيّ عن القول أنّ أوّل «زنجي/ باذنجان» فَرِح بهذا الخلط، سعيد به أيما سعادة، مستفيد منه ومتنعم بحماقاته، هو الإرهابي الجهادي المتطرف المتشدد، نفسه، أياً كانت تسمية تنظيمه أو إمارته أو خلافته؛ ما دام يرفل في ثوب «ضحية» تتبارى عشرات الحكومات الغربية في قصفها، بالقاذفات الجبارة المدمرة، ولكن أيضاً بالمنطق المعوّج، وبالمصطلحات الطنانة الرنانة

Source : http://www.alquds.co.uk/?p=299558