الإصرار على تحويل المسيحيين إلى أقلية – ياسر أبو هلالة

Article  •  Publié sur Souria Houria le 23 septembre 2011

على كثرة التظاهرات في سورية، وغياب قيادة مركزية لها، لم يصدر عنها شعار طائفي. على العكس، حرصت على إبداع شعارات تراعي التنوع الديني والعرقي؛ فجمعة تحمل شعارا مسيحيا « الجمعة العظيمة »، وأخرى تراعي العلويين باسم « صالح العلي »، وثالثة تتودد الأكراد. في المقابل، لم يدخر النظام وسعا في استخدام الورقة الطائفية، واتهام المتظاهرين بالطائفية، واخترع شعارا لم يسمع ولم ير ولم يوثق إلا عبر تلفزيون دنيا وضباطه، يقول « العلوية ع التابوت والمسيحية ع بيروت »
وقد جاء تعيين مسيحي وزيرا للدفاع رسالة غزل للمسيحيين. وهذا سلوك غير مستبعد من نظام بني على الطائفية، فكرسها في بلده وفي الجوار اللبناني، مع أن سورية شكلت تجربة فريدة في بناء دولة المواطنة. ولم يشكل السنّة العرب أكثرية طاغية، واتسع المشهد الوطني لقامات مسيحية ودرزية وعلوية وكردية. وظلت سورية تجسيدا للتنوع حتى انقلاب الأسد
وإن كان مثقفون مسيحيون مثل ميشيل كيلو ومي سكاف وغيرهما قد اتخذوا مواقف مناصرة للثورة، إلا أن الكنيسة أصرت على موقف موال للسلطة، باعتبار أن المسيحيين أقلية مهددة بالانقراض. وانسحب ذلك الموقف على لبنان، وتماهت الأقليتان الشيعية  والمسيحية، ولم يشذ عن الإجماع غير سمير جعجع
على قول كمال الصليبي، فإن العروبة إذا نزعت منها المسيحية تحولت إسلاما. وقد كان رجال الكنيسة في القرن الماضي سادة في الثقافة العربية، أدبا ومعاجم، وكانوا يرون رعيتهم جزءا من الأمة لا امتدادا لفرنسا. غير أن ثقافة الحروب الأهلية حولت المسيحيين من مواطنين وجزء من أكثرية عربية، إلى أقلية معزولة تجد ذاتها في فرنسا
وبدلا من مناصرة الثورة السورية لبناء دولة المواطنة والتخلص من دولة الطائفة، انحاز وبصورة فجة بطرك لبنان، بشارة الراعي، خلال مؤتمر أساقفة فرنسا إلى بشار الأسد، وقال إنه « يأمل لو يعطى الأسد المزيد من الفرص لتنفيذ الإصلاحات السياسية التي بدأها ». وأوضح أن الأسوأ من وجهة نظره يتمثل في « أن تأزم الوضع في سورية أكثر مما هو عليه سيوصل إلى حكم أشد من الحكم الحالي كحكم الإخوان المسلمين ». موقف كهذا استفز الكاتب حازم صاغية، وهو علماني مسيحي، وكتب في الحياة « المسألة كانت تتطلب من مقام بكركي موقفاً إنسانياً ضد القتل، لا موقفاً منحازاً للنظام أو لمعارضيه. لكن بكركي اليوم تبدّي احتمال التنكيل بالمسيحيين مستقبلاً، بإعطاء الذريعة للتنكيل بالشعب السوري (ومنه المسيحيون) حاضراً. معادلة للأسف، تقاطعت مع موقف لميشال عون أكد فيه أحقية النظام السوري بقتل خمسة ملايين شخص لحماية نفسه. في هذا وذاك شيء من المازوشية، حينما تُغرم الضحية بجلادها، ولا ترى سواه منقذاً لها »، تماما كما استفزت كاتبا علمانيا شيعيا وهو حازم الأمين « لموقف « المسيحي » اللبناني من الانتفاضة السورية، يعرض قضية الدفاع عن حقوق الأقليات في المنطقة إلى مأزق أخلاقي فعلي، إذ لطالما شكلت مسألة حماية الأقليات أحد معايير قياس مدى احترام الأنظمة لحقوق جماعاتها، لكننا هنا أمام وضع معكوس، ويتمثل في مدى التزام الأقليات إجماعات وطنية حول مصالح الدولة والمجتمع »
في الربيع العربي هبت نسائم المواطنة التي يفترض من قادة الكنيسة اغتنامها، وهي وحدها التي تحمي الإنسان بوصفه إنسانا بمعزل عن أصله أو دينه. أما تحويل المسيحيين إلى « أقلية » تبحث عن حماية، فهذا يشكل إهانة بحقهم، والأسوأ وضعهم في خدمة الطغيان فيغدو الانتقام منهم جزءا من الانتقام من الطاغية الذي سيسقط لا محالة

الغد – 22/09/2011

http://www.alghad.com/index.php/afkar_wamawaqef/article/26983.html