الانهيار اللبناني – زيـاد مـاجد

Article  •  Publié sur Souria Houria le 16 juillet 2013

تتكرّر منذ مدّة مقولة مفادها: « لم يسبق للبنان أن عرف بؤساً سياسياً شبيهاً بالبؤس الذي يعرفه اليوم ».

والتكرار، بمعزل عن دقّته، يشير الى انطباع عام في البلد يرى الأوضاع في تردّ مستمر أو في انحدار لا تظهر بوادر وقف له أو حتى تجميد.

والأرجح أن هذه المقولة تحمل الكثير من الصواب لسببين. الأوّل أنها تعبّر عن توصيف لأحوال تزداد تدهوراً كلّما تفاقم تغييب الدولة واستبدالها بمعادلة « الشعب والجيش والمقاومة »، فتبدو الروابط الأهلية ونزاعاتها والعمليّات العسكرية لضبط الأمن ومحدودية فعاليّتها كما سيادة ميليشيا مذهبية وصناعتها لبعض السياسة « الوطنية » الخارجية بدائل عن حضور المؤسّسات الدستورية والتعاقدات المواطنية.

السبب الثاني أنها تقيس الأمور في لحظات زمنية يبدو التأزّم في كل منها أكثر خطورة من سابقه وأكثر عنفاً. فمنذ آذار الماضي تعطّلت السلطة التنفيذية، ثم لحقتها السلطة التشريعية حين مدّدت لأعضائها رغم نهاية ولايتهم، ثم تعطّل المجلس الدستوري لاستنكاف قضاة معيّنين عن حضور جلساته، في وقت كان الوضع الأمني يتراجع والتوتّرات والمعارك التي سبق وانحصرت بمدينة طرابلس تنتقل الى صيدا ومناطق بقاعية عدّة، فاتحة المجال للتساؤل المشروع عن الانحدار الجديد الذي قد يشهده البلد في مرحلة مقبلة.

في موازاة ذلك، يزداد بروز « الاختصاصات » التي تنتزعها القوى الطائفية الكبرى من الدولة المترنّحة، مسبغة على طوائفها صفات ومحدّدة أدواراً يصعب التخلّص لاحقاً منها أو استعادتها يوماً ما من قبل الدولة. فحزب الله مثلاً يتحكّم بالسياستين الدفاعية والخارجية؛ يتعاون في الأولى مع الجيش باعتباره « مقاومة »، ويفرض خياراته في الثانية عسكرياً من خلال قتاله على الحدود واشتراكه في حملات النظام السوري وفق أولويّات إيرانية.

أما تيار المستقبل، فيراوح – بعد اختصصات إقتصادية ومالية وإعمارية نفّذها المحسوبون عليه عبر مؤسسات الدولة أو بعض الشركات الخاصة – في طور بحث عن اختصاص جديد يواكب التطوّرات الاقليمية ويحضّره لعودة داخلية في مواجهة خصومه ومنافسيه (ولو من بعيد) السلفيّين وورثة العائلات السياسية التقليدية.

والقوى المسيحية من جهتها تبدو مختصّة في « الحنين » الى أوضاع لن تعود، أو حاملة الآلة الحاسبة وباحثة عن السيناريوات الانتخابية الأمثل لتأمين مقعد هنا أو مقعدين هناك توظّفه/هما في سباقها نحو التزعّم والقيادة الطائفية.

لبنان يستمرّ إذاً في انهياره البطيء. والناس يستمرّون في تعداد لحظات السوء ومقارنتها بما سبقها، بحسرة وبالكثير من الخوف.