« التحول نحو المقاومة المسلحة في سوريا تُمليه الظروف »

Article  •  Publié sur Souria Houria le 5 juin 2012

مقاتل من الجيش الحر السوري يفتش موقعا تعرض لقصف دبابات الجيش النظامي يوم 22 فبراير 2012 في بلدة قورين بمحافظة إدلب. (Timo Vogt/Bildrand)

بعد مجزرة الحولة، ومع بداية التشكيك في نجاح مبادرة كوفي أنان واستفحال الإنشقاقات داخل المجلس الوطني السوري، هل تتجه الثورة السورية نحو مزيد الإعتماد على مواردها الداخلية المدنية والعسكرية؟

تساؤل يجيب عنه السيد نضال درويش، رئيس المكتب السياسي للهيئة العامة للثورة السورية في حوار خاص أجرته معه swissinfo.ch في سويسرا.

 

شهدت ساحة المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري انقسامات عدة في الآونة الأخيرة تميز بانسحاب عدد من رموز المعارضة من المجلس الوطني السوري (مثل هيثم المالح)، وتقديم رئيس المجلس برهان غليون لإستقالته، إضافة إلى رفض قيادات الجيش السوري الحر في الداخل القبول بتمثيلية القيادات المتواجدة في تركيا وغيرها من العواصم الأجنبية لها.

بين هذه التجاذبات، يبرز في الآونة الأخيرة دور « الهيئة العامة للثورة السورية » التي تشرف على المقاومة في الداخل بشقيها المدني والعسكري. ومن أجل تسليط الضوء على واقع مكونات المقاومة السورية اليوم، والتوجهات الإستراتيجية التي تعتمدها الهيئة العامة للثورة في ظل الفشل الأممي، والجمود الدولي، واستمرار النظام في التصعيد، طرحت swissinfo.ch جملة من الأسئلة على السيد نضال درويش، مدير المكتب السياسي للهيئة العامة للثورة السورية.

 

swissinfo.ch: ما هو واقع تشكيلة ومكونات الهيئة العامة للثورة السورية، وعلاقاتها بالمجالس العسكرية والسياسية الممثلة للثورة السورية؟

نضال درويش: الهيئة العامة للثورة السورية تشكل إطارا واسعا للحراك الشعبي إن كان ببعده المدني السلمي أو حتى ببعده المسلح. ولنا مكاتب على مستوى كل المحافظات لدرجة أننا نسير في اتجاه  إدارة المجالس المحلية في المناطق التي تصبح خارج سيطرة السلطة مثل منطقة « القصير » حيث يقوم الثوار بتأمين الحماية، ودفع الرواتب للموظفين، وتأمين القضاء والكهرباء وما إلى ذلك. وهذا كله يتم خارج إطار المجلس الوطني السوري وخارج ما يسمى بقيادة الجيش الحر في الخارج لرياض الأسعد أو مصطفى الشيخ.

وقد دخلنا منذ أكثر من شهرين على ملف المقاومة المسلحة بحكم أن تكوين الهيئة العامة للثورة السورية على مستوى المحافظات قائم على اساس اللجان الثورية للمحافظات، وأن الكثير من أعضاء الهيئة العامة للثورة السورية اندرجوا في المقاومة المسلحة. وبالتالي نحن ذاهبون باتجاه استراتيجية قائمة على العمل المدني والعسكري على مستوى الثورة. وهناك تنسيق فعال مع مكونات المقاومة المسلحة في الداخل من كتائب ومجالس عسكرية تتكون، وليس مع تلك التي تتخذ من تركيا أو غيرها مقرات لها.

إذن نحن ذاهبون نحو تنسيق فعال لتنظيم المقاومة العسكرية ضمن مجالس عسكرية يكون بينها وبين المجالس الثورية المدنية تنسيق فعال، أي ما يسمى بتأمين الحاضنة الشعبية والثورية للمقاومة المسلحة في سوريا، لكي يكون للجانب المدني السياسي الأولوية في صناعة القرار على المستوى الثوري وبتنسيق ومشاركة مع كتائب الجيش الحر في الداخل.

 

ما هو حكمكم على أداء المجلس الوطني السوري عموما وما هي تداعيات انقساماته على مصير ومصداقية الثورة السورية؟

نضال دوريش: في الواقع، أدت طريقة تكوين المجلس الوطني وبنيته وكيفية هيكلته، إلى إنتاج ما أسميه دائما « بالعطالة السياسية والدبلوماسية ». وبالتالي بحكم قيامه على بناء هش وعلى توافقات بين إيديولوجيات لا يمكن أن تتوافق على المستوى السياسي. وهذا ما جعله في تراجع من حيث المصداقية على مستوى الداخل، وتراجع في ملفه الدبلوماسي على المستوى الخارجي.

وبدل أن يكون المجلس الوطني هو العنوان السياسي للثورة السورية، تحول الى طرف من أطراف المعارضة السورية… ولا يمكن إعادة هيكلته بسبب التعقيدات الداخلية، كما أن ضم الآخرين اليه عن طريق توسيع العضوية قمنا بتجربتها ووجدنا أنها تجربة فاشلة ولا تزيد في شئ من حيث الأداء السياسي والدبلوماسي والإعلامي.

وباعتقادي أن المجلس الوطني السوري  أصبح منذ اجتماع أصدقاء سوريا في اسطمبول خارج المعادلة السياسية خارجيا لأن الدول، بما في ذلك الدول العربية  والولايات المتحدة  وغيرها، ضاقت ذرعا من محاولات توحيد المعارضة السورية  التي لم تفلح. وعلى المستوى الداخلي، لم يعد يعنينا المجلس الوطني في شيء بسبب تآكل شرعيته ولم يعد أحد في الداخل ينتظر منه شيئا.

وقد طرح الدكتور برهان غليون تساؤلات حول إعادة بناء المجلس الوطني وهذا ما يضع  مكونات المجلس الوطني السبع أمام مسئولياتها للحديث عن مجلس وطني جديد.

فنحن في الهيئة العامة للثورة السورية، عندما تم توجيه رسالة لنا للإنضمام للمجلس الوطني( في بداية قيامه)، رفضنا ذلك لأن اشتراطنا الأساسي كان: ضرورة إعادة هيكلة المجلس الوطني لكي يكون حقيقة مجلسا وطنيا يمثل  العنوان السياسي للثورة السورية.

 

يبدو أن الإنقسامات طالت أيضا صفوف المقاومة المسلحة أو ما يُعرف بالجيش السوري الحر بعد التصريحات المتضاربة بين القيادة الخارجية المتواجدة في تركيا والقيادة في الداخل. بحكم اتصالكم بالداخل السوري، كيف تنظرون لهذا الجدل؟

نضال درويش: بحكم معرفتنا الميدانية في الداخل، ومن من خلال علاقتنا بالمجالس العسكرية في الداخل وبالمقاومة المسلحة المتواجدة في داخل سوريا، نرى أن القيادة العسكرية المتواجدة في الخارج والمتمثلة في رياض الأسعد ومصطفى الشيخ، مع كل ما نكنه للشخصين من احترام وتقدير، ليست لها أي سلطة لا على المجالس العسكرية ولا على المقاومة المسلحة في الداخل.

فعندما يتحدث المرء عن الجيش الحر يجب التفريق بين الحديث عن القيادة المتواجدة في الداخل وتلك المتواجدة في تركيا التي ليس لها أي صلاحيات جدية على ما يدور في الداخل، بل هناك تقارير أمريكية تحدثت عن هذا الموضوع.

 

يُفهم من كلامك أن فروع الهيئة العامة للثورة السورية بشقيها المدني والعسكري، والمجالس العسكرية للجيش الحر في الداخل هي التي تشكل في الوقت الحالي ثقل المقاومة السورية؟

نضال درويش: هذا ما نتكلم عنه في هذه المرحلة أي إلى حين إسقاط نظام بشار الأسد وليس إسقاط الدولة ومؤسسات الدولة التي هي تابعة للشعب السوري. ولنا تصورات لما بعد من أجل إعادة بناء دولة مدنية ديمقراطية تحترم وتمكن الإنسان من كافة حقوقه المدنية والسياسية ومن حرياته العامة.

 

في ظل التصعيد الأخير، وفشل مهمة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية في وضع حد للعنف، وفي ظل جمود المجموعة الدولية بسبب المواقف الروسية والصينية، هلأصبح موضوع اللجوء الى تسليح المقاومة السورية أمرا محسوما؟

نضال درويش: تماما، لأن اللجوء للتسليح أتى نتيجة لضرورات ميدانية مرتكزة على عنصريين أساسيين: أولا بطش النظام وارتكابه لمجازر استفزازية يندى لها الجبين استخدم فيها الأسلحة الثقيلة. والعنصر الثاني هو خذلان الشعب السوري من قبل المجموعة الدولية بسبب عدم تدخلها بشكل فعال لحماية المدنيين من أبنائه.

فمبادرة كوفي أنان ما هي إلا محصلة عجز التدخل الدولي الفعال لحماية الشعب السوري. وبشار الأسد استقبل هذه المبادرة بمزيد من الجرائم  سواء في حماه أو الحولة. وقد تستمر مبادرة كوفي أنان الفاشلة الى حين نضوج موقف دولي فعال. وقد أصدرنا في الهيئة العامة للثورة بيانا واضحا يعلن فشل مبادرة كوفي أنان وأننا لم نعد ملتزمين بها لأنها فقط توثق ما يرتكبه هذا النظام من جرائم متنقلة، بل إنه يستغل ويستثمر كل هذه المبادرات من أجل مزيد من الجرائم. لكن هذا لا يعني أننا ضد التواجد الأممي لأننا كنا من بين من طالب بذلك لتوثيق جرائم النظام.

وللعلم نشير الى أن نسبة الإعتقالات ارتفعت للضعف منذ بداية مبادرة كوفي أنان بحكم التزام المقاومة المسلحة بهذه المبادرة التي استغلها النظام لمزيد من الإعتقالات. كما أنه تم سقوط حوالي 1600 شخص منذ بدايتها، من بينهم حوالي 150 طفل وأكثر من 130 إمراة وأكثر من 500 شهيد قتل تحت التعذيب. وهذا ما دفع الكثيرين من الجيش السوري إلى الإنشقاق. كما أن لجوء العديد من العواصم الى طرد السفراء السوريين هو بمثابة نزع الشرعية عن النظام. وهذا ما سيعمل على تشجيع  الكثير من أطر (أو كوادر) النظام في الخارج على الإنشقاق إذا ما تأمنت سبل حماية اهلهم في الداخل. وأعتقد بأن مجزرة الحولة لربما شكلت انعطافة نوعية في تشجيع الإنشقاقات على المستويين الداخلي أو الخارجي.

ومن ناحية التسليح، وحسب علمي، يمكن القول أن ما هو في حوزة المقاومة لا يكفي لتعديل الكفة، ولكن بحكم الفساد والإستيلاء على مخازن الأسلحة، وبحكم ما يمكن تسريبه من بعض الحدود، يتيسّر توفير ما يُـمـكّـن بعض المناطق من الحصول على كميات متواضعة تسمح لها بالدفاع عن نفسها.

 

وُجهت انتقادات للمجلس الوطني السوري بعدم التحرك دبلوماسيا بالشكل المطلوب. هل شرعتم في الهيئة العامة للثورة السورية في إجراء اتصالات بالعواصم الدولية وبالتحديد روسيا وأيضا بسويسرا؟

نضال درويش: يمكن القول أننا على مستوى الهيئة العامة للثورة السورية أصبحت لنا اتصالات معقولة، وأصبحت لنا بعض اللقاءات وفتحنا حوارا مع مندوبين لدول أوربية وعربية وحتى مع الدول الأساسية في صناعة القرار. وبسبب الأداء الهش للمجلس الوطني، لا شك في أن تتوجه الدول (المعنية) إلى من يمتلك إلى حد ما القرار على المستوى الداخلي، واعتباره المحاور الحقيقي.

لم يتم لحد الآن أي اتصال من قبلنا مع الجانب الروسي بحكم  موقفه، ولاعتقادنا بأن أهم حوارات الروس اليوم هي بالتحديد مع الأمريكان والأوروبيين ومع دول الخليج بالتحديد، لأن روسيا على قناعة تامة بأن نظام بشار الأسد زائل لكن يجب الحفاظ على المصالح الروسية في سوريا.

أما الإتصال بالجانب السويسري فلم نُقدم بعدُ على هذه الخطوة مع الأسف، وقد نقوم بذلك قريبا. لكننا نثمن الخطوات التي اتخذتها برن سابقا في المجال الاقتصادي (العقوبات) ومؤخرا في المجال الدبلوماسي (اعتبار السفيرة السورية شخصية غير مرغوب فيها) ونشجعها على المضي قدما في الخطوات التي توضح بأن سويسرا حريصة على السلم والسلام الدوليين، وعلى احترام حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها.

 

كثيرا ما ردد النظام السوري مخاوف الدخول في حرب طائفية بسبب التركيبة العرقية والدينية للمجتمع السوري. أنتم في الهيئة العامة للثورة السورية كيف تعيشون مشكل الطائفية وهل هناك مجهودا يبذل من أجل تفادي هذا الانزلاق؟

نضال درويش: أعتقد بأن النظام لعب على هذا الملف كثيرا، ولا زال لحد الآن يعتبره من أهم الملفات التي يحاول المراهنة عليها على أساس أن مخرجه الأساسي بدفع الثورة نحو ما يسمى بالحرب الأهلية إما على أساس طائفي او ما يسمى بحرب الكل ضد الكل وبالتالي دفع الوطن للهاوية.

لكن الملمح العام للثورة السورية منذ بدايتها قائم على سمات اساسية أي السمة الشعبية الوطنية اللاطائفية بحكم أن هذه الثورة هي ثورة حرية وكرامة وتطلع من أجل إسقاط نظام مارس كل أشكال الإضطهاد والعبودية في حق الشعب السوري بكل أطيافه.

لكن هذا لا يعني انه ليست هناك بعض الحوادث  الطائفية المنفردة من هنا وهناك، لكنها لا تشكل اللوحة الأساسية لاتجاه الثورة السورية. فالثوار في سوريا يعُون تماما بأن التوجه للحرب الطائفية هو إنقاذ لسلطة الإستبداد والإستعباد.

 

على ضوء هذه التطورات الحاصلة اليوم، ما هي الخطوة الهامة التي تتوقعون حدوثها في مسيرة الثورة السورية؟

نضال درويش: نعتقد بأن الثورة السورية ما زال لها مخزون شعبي استراتيجي. فما حدث في الحُولة يشكل انعطافا، ونحن في الثورة السورية نسعى جاهدين لكي تنضم المزيد من الشرائح الى صفوف الثورة. وقد لاحظ المراقبون كيف أن حلب دخلت في الآونة الأخيرة بشكل واضح على مسار الثورة السورية. وهذا يشكل انعطافة هامة تتماشى والإستراتيجية التي لدينا في الإنتقال من منطقة الى منطقة لإزالة هيمنة نظام بشار الأسد الإداري والسياسي إضافة الى إزالة هيمنته الأمنية والعسكرية. وهذا يمثل استراتيجية حرب مواقع على مستوى الثورة السورية.

محمد شريف – جنيف- swissinfo.ch

Source : http://www.swissinfo.ch/ara/detail/content.html?cid=32828474