التوق إلى توسيع دائرة الأعداء – منار الرشواني

Article  •  Publié sur Souria Houria le 6 avril 2014

وفق الفهم الأبسط للعقلانية، فإنه يفترض بالدول تقليل الأعداء إلى الحد الأدنى. وإذا كان ذلك يصح في الظروف الطبيعية تماماً، فإنه يزداد أهمية في حالة الأزمات والاضطراب وعدم الاستقرار؛ إذ يبدو من المحتم تحديد من هم الأعداء فعلاً بشكل دقيق جداً، لتركيز الموارد الضرورية على مواجهتهم ودرء الأخطار المتأتية عنهم.
لكن هذا « الطبيعي » جداً، يجد نقيضه تماماً في العالم العربي. ليس أفضل من مثال على ذلك من سورية الأسد خصوصاً، وإلى حد ما مصر منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي. إذ باختصار، تبدو السياسة المتبعة مع ارتفاع كلفة الأزمة والاضطراب، متمثلة في السعي الحثيث إلى توسيع دائرة الأعداء، الداخليين أساساً، وإلى الحد الذي يتجاوز كل أفق، بحيث يكاد يغدو المجتمع ككل في دائرة الاتهام، وحتى العقاب.
فبعد اعترافه الصريح، إنما العابر، مع اندلاع الثورة السورية، بما عاناه ويعانيه المواطن السوري من امتهان وتهميش وإفقار، عاد بشار الأسد سريعاً إلى نعت جميع معارضي حكمه بالإرهاب، وإن لم يكونوا حتى متظاهرين ناهيك عن مقاتلين، وبما يسمح بالنتيجة بممارسة القتل والاعتقال الجماعيين. بذلك فقط، لم يعد للشعب من خيارات إلا الموت مجاناً بقصف عشوائي، أو الموت تحت التعذيب، أو القتال ضد قوات الأسد والمليشيات الطائفية العراقية واللبنانية خصوصاً، على أمل الفرار من المصيرين السابقين المحتمين.
بدرجة أقل طبعاً، يتم الإصرار على الحل الأمني في مواجهة جميع المعارضين في مصر، رغم عدم الاستقرار الذي صار سمة هذا البلد، مع احتمالية انفتاحها على شرور أضخم بكثير، فوق كل التكاليف الباهظة المتحققة حتى اللحظة على الصعد كافة؛ لاسيما الاقتصادية منها. هكذا، أيضاً، يتم تجريم واعتقال كل صاحب رأي مختلف. ولعل ضخامة الأحكام المستعجلة والاعتقالات بحق الإسلاميين، هي فقط ما يخفي ذات الممارسات بحق الثوار « العلمانيين » الذين خرجوا ضد حسني مبارك كما ضد محمد مرسي، للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
وإذا كان توسيع دائرة الأعداء هو نقيض الطبيعي الأول؛ فإن تفسير ذلك ليس بافتراض النقيض السهل أيضاً، والمتمثل في الجهل وعدم الاتعاظ. بل إن التفسير الحقيقي للغرابة العربية هو العكس تماماً؛ أي إنها عملية واعية ومطلوبة تماماً، للوصول إلى الأهداف الحقيقية. ذلك أن التناقض الأساسي هنا هو بين الدولة بتعريفها الشامل؛ أرض وشعب وسيادة، وبين الأنظمة الساعية فقط إلى الحفاظ على مكتسباتها. وتوسيع دائرة الأعداء، هو فقط ما يسمح بضرب التهديد الحقيقي للأنظمة، أي المجتمع ككل، وعلى حساب الدولة ككل. ويمكن التدليل على ذلك من فترة ما قبل « الربيع العربي »، عندما كانت الأنظمة في أحسن أوضاعها، استبداداً وفساداً، فيما كانت الدولة تتآكل، هيبة وسيادة وإمكانات في كل مجال.
لكن، هل يمكن فعلاً الآن إعادة إحياء تلك السياسات الأمنية المترافقة مع كل تخلف؟ أياً كان الموقف من « الربيع العربي »، حتى لدى أولئك الذين يعتبرونه مؤامرة، فإن الحقيقة الثابتة التي لا يمكن إنكارها، هي أن الدولة إما أن تكون لجميع مواطنيها أو لا تكون أبداً.